رواية «العاطل» للكاتب ناصر العراق هي الرقم الثالث من أعماله الروائية، وهي أيضاً من الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة من جائزة «البوكر» العربية لعام 2011، وهي أول رواية أقرأها له.

Ad

الرواية تحكي عن حياة شاب جامعي لا يجد العمل المناسب في بلده، حيث كان يعمل نادلاً في مقهى شعبي براتب ضئيل لا يكفي مصاريفه، مما يدفعه إلى البحث عن عمل في دول الخليج، حيث يتمكن أخوه من إرسال «فيزا» ليعمل في متجر كارفور في دبي، ومن هنا يبدأ في سرد ملاحظاته لهذه المدينة لشوارعها ومقاهيها وخليط البشر فيها ومقارنتها بمدينته، وهو الأمر الذي يعكس رؤية الآخرين لمدننا الخليجية وإحساسهم بها.

الرواية في غاية البساطة لا تحمل أي سمة من سمات التعقيد أو التركيب أو الرؤى الفلسفية أو التحليلية أو التأملية، زمنها السردي يتنقل ما بين تقديم المشاهد أو تأخيرها وهذه هي كل تقنيتها.

بطل الرواية شاب عادي ليس له أي تميز مثل بعض الذين يمرون في هذه الدنيا بلا ترك أي أثر، مشكلته كلها محصورة في النساء وبرغبته فيهن، فهو وصل إلى الثلاثين من عمره ولم يقبل أية امرأة، وكل تفكيره يدور حول النساء وتخيل أجسادهن وكيفية الوصول إليهن، بل هن جل غايته وطموحه، لكنه يكتشف عجزه الجنسي عند مقاربتهن، مما يوقعه في مشكلة يدخل على اثرها السجن حينما رافق صديقه أمجد صفوان لزيارة إيرينا الروسية التي وجدها مقتولة، وقبض عليهما بتهمة قتلها، ولكنه يُبرأ من تهمة القتل ويتزوج من عزة التي يحبها، وتوتة توتة تخلص الحدوتة من بعد ما يحل له صديقه مشكلة العجز الجنسي التي تنتابه، والتي حدثت له بسبب تسلط والده الضابط وقسوته في تربية أولاده.

الكاتب لم يغص في جذور مشكلة البطل النفسية، فكل ما قدمه هو أن والده الضابط كان يشتمه ويناديه يا «حمار»، وضربه في إحدى المرات حين وجده مختبئاً تحت «بير» السلم مع طفلة الجيران، عندما كانوا يلعبون «الأستغماية»، وهو الأمر الذي يمارسه أغلب الآباء مع أولادهم في العالم العربي بسلطة الأبوية الشائعة، مما لم يمنح مصداقية وعمقاً تحليلياً لأزمة البطل، فبقيت مشكلته سطحية غير واضحة، ولم تمنح الرواية العمق الكافي لأزمته النفسية.

وبالنسبة للغة الرواية فهي بسيطة جداً وعادية أو ربما هي أقرب إلى اللغة «الشوارعية»، ولا أدري إن كانت هذه  تخص فقط هذه الرواية أم إنها قد شملت الروايات الأخرى؟

اللغة في هذه الرواية مناسبة تماماً لشخصية البطل الجاهل، وإن كان جامعياً لكنه لا يحمل أي ذرة من الثقافة، فهو لا يحب القراءة ولا الفنون، ولا يطيق سماع أم كلثوم، وليس له أي معرفة بأسماء السياسيين وكبار أعلام المشاهير وغيرهم، فهو شاب بلا ذكاء وبلا تميز وبلا طموح، وقد ناسبته لغة السرد تماماً، ووصلت طريقة تفكيره وروحه وعقله إلى القارئ، وهذا شيء يُحسب للكاتب فقد كانت اللغة مناسبة للشخصية وعكستها بأمانة، فلم تكن أعظم منه ولم تتفوق أو تتعالى عليه، بل انساقت بكل عفوية وبساطة مع منطق بطلها وجاءت بمقاسه تماماً، وهو الشيء الذي يخدم الرواية دائما حينما تستطيع اللغة الانفلات من شخصية الكاتب ومنطقه وثقافته، لتعكس منطق وتفكير ونهج الشخصية المكتوبة، كأن تكون طفلا أو معتوها أو مريضا نفسيا، أو حتى ربما تكون شجرة أو حيوانا أو جمادا، يجب أن تكون اللغة قادرة على عكس منطق الشخصية المكتوبة.

يبقى اسم الرواية وهو العاطل الذي لم أجد له أي تفسير أو معنى، فالبطل طوال الوقت يعمل في مكان ما، حتى التحليل الذي كُتب على الغلاف الأخير لم يوصل إلي المعنى، إلا أن يكون المعنى آتيا من عاطل، وكما يقول بعض الأخوة السوريين أي أنه فاسد.

وفي نهاية الكتاب كانت هناك أربع صفحات تتحدث عن سيرة الكاتب، ومثلها تقريبا تخبرنا عمن كتب عنه، مما جعلني ألوم نفسي وغيبوبتي التي لم تكتشف أو تدري بالكاتب ناصر العراق إلا من خلال هذه الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة من جائزة «البوكر» العربية ودفعتني إلى البحث عنها، فهل الوصول إلى «البوكر» معناه الوصول إلى الشهرة؟