هذه الحكومة لا تختلف ولن تختلف عن سابقاتها في شيء، نفس النهج، نفس الأسلوب، نفس طريقة التعاطي مع المشكلات "لا أسمع، لا أرى، ولا... أتصرف". حتى تقع الواقعة وتصبح أبسط المشاكل معضلة لا حل لها، والمشكلة ليست في الوزراء الحاليين أو السابقين، ولا هي في رئيس الوزراء الجديد أو القديم، المشكلة في المنظومة بأسرها، بالهرم كله لا برأسه وحده، فقد تناوب على هذه الوزارات أسماء عديدة بعضهم مشهود له بالكفاءة وبعضهم لسد النقص والترضيات القبلية والفئوية والطائفية، لكن النتيجة كانت دائما واحدة.

Ad

ولو تغير هذا الفريق الوزاري عشر مرات فلن يتغير شيء، لأن العلة والخلل هما في الأساس في وكلاء الوزارات والمسؤولين الكبار والمستشارين من الفئة الديناصورية الذين يديرون أمور الوزارات صغيرها وكبيرها من عشرات السنين- بعضهم عُين في زمن عبدالله السالم- وقد أقسم جميعهم أنهم لن يغادروا كرسي الإدارة إلا إلى القبر، ولا أستبعد أن يكون من ضمن وصية المرحوم أن يدفن كرسيه بجانبه!

والسلوك الحكومي تجاه المضربين عن العمل من موظفي الجمارك و"الكويتية" وغيرهم لم يتغير لأن ديناصورات الوزارات لم يتغيروا، وأسلوبهم المعتاد في تهوين الأمور و"التطنيش" والتسويف وإعطاء الانطباع للوزير ورئيس الوزراء بأن الأمور تحت السيطرة ولا داعي للقلق مستمر؛ لأنهم لا يبالون بالموظفين القابعين تحت إمرتهم منذ عشرات السنين.

بل هم سبب تردي حالتهم المادية لتجاهلهم المطالبة بزيادة رواتبهم زيادات بسيطة وما يستحقون من بدلات، فإن تفضلوا عليهم وراسلوا ديوان الخدمة المدنية للنظر فيما يستحقون من زيادات جوبهوا بالرفض المستمر لمطالبهم في الوقت الذي يستجاب لمطالب غيرهم؛ مما وسع الفارق بين موظفي الحكومة بين وزارة وأخرى ممن يحملون نفس الشهادة والتخصص والدرجة الوظيفية، فإن لجؤوا إلى الحل الأخير وهو الإضراب، اتهمهم البعض بعدم الوطنية والجشع وحب المال، ودعا إلى أن يتجمع الشباب الوطنيون ليحلوا محلهم في "مزايدة" وطنية لا معنى ولا داعي لها!

ولأن حكومتنا تثق بديناصوراتها الذين اعتادوا التهاون أمام أي مصلحة عامة، وصار نهب المال العام طبيعة فيهم، فإنها لم تبال كثيرا بالتهديدات التي أعلنها موظفو الجمارك و"الكويتية" والتي حين نفذوها كلفت الدولة مئات الملايين في أيام معدودة، وكان بالإمكان ألا تصل الأمور إلى هذا الحد ولا نتكبد كل هذه الخسائر لو كان هناك رجال دولة عقلاء يحسبون الأمور بدقة، ويديرون الأزمة بذكاء ويجيدون التفاوض، بحيث يأخذ كل صاحب حق حقه دون تفريط أو إفراط، لكن للأسف، أوهمت الديناصورات حكومتها بأن الأمور طيبة وأنه "ماكو إلا العافية" و"وعدناهم بجم بيزة ومشى الحال"، حتى نفذ المهددون بالإضراب إضرابهم، وشلوا حركة المنافذ البرية بشكل شبه كامل والجوية بشكل جزئي خسرت من خلاله البلاد الملايين في أيام ما كانت ستدفعه لهم من زيادات في سنوات!!

والغريب أن سلوك التسويف و"التطنيش" الحكومي لا يتم سوى مع العاملين في أماكن حساسة كالموانئ والطيران المدني والجمارك، حيث تدرك كل الدول أهمية تحصين هؤلاء ماديا لحمايتهم من التعرض للإغراءات المادية التي قد يستغلها بعض المهربين والفاسدين، ورغم ثقتنا بأمانة ووطنية العاملين في هذه الأماكن، فإننا نعلم علم اليقين أن أي إنسان تحت ضغط الحاجة قد يضعف ويستغل وظيفته فيما يضر، ولذلك، تجد هذه الأماكن الحيوية في كل العالم المتحضر يحظى موظفوها برواتب جيدة إضافة إلى مميزات ومكافآت عديدة كنوع من الوقاية والحماية لهم إلا في الكويت، فهم آخر من ينال حقوقه ويتم التذاكي و"الفهلوة" عليه، حتى يضطر مكرها للإضراب عن العمل لينال حقوقه من حكومة فقدت بصرها وبصيرتها، وصار لزاما عليها اقتلاع ديناصوراتها المعششين في كل دائرة من دوائرها، والذين كلما طالب الموظف البسيط بحقوقه قالوا للوزير المختص "اعمل نفسك ميت... وطنشهم"!

والنتيجة: خسائر تصل إلى مئات الملايين لا يحاسب عليها أحد وتذهب أدراج الرياح بردا وسلاما!