وجهة نظر: خصخصة «الكويتية»... ودهاليز البيروقراطية
كتبت يوم السبت الماضي مقالاً بعنوان "خصخصة الكويتية... كيف ومتى؟"، تناولت فيه المهمة الثقيلة التي ألقاها مرسوم تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة على عاتق مجلس إدارة "الكويتية" الجديد الذي شكل للقيام بأعباء خصخصة الشركة. وأشرت في خاتمة المقال إلى ما رأيت أنه أولوية يجدر بمجلس إدارة "الكويتية" أن يتصدى لها من أجل تفعيل مرسوم خصخصتها، ألا وهي التقدم ببرنامج زمني شفاف ومفصل يحدد الخطوات العملية التي يزمع تنفيذها من أجل ضمان نقل هذا المرسوم من إطاره التشريعي العام إلى مساره التنفيذي على الأرض، وأكدت على ضرورة أن يكون هذا البرنامج الزمني ملزماً وذا قوة قانونية مستمدة من المرسوم ذاته.تفاعلاً مع وجهة النظر هذه، وحرصاً منه على إيضاح خطته في معالجة هذه المهمة الكأداء التي كلف بها، اتصل بي الأخ سامي النصف رئيس مجلس إدارة الخطوط الكويتية، ليعقب على ما اعتبرته أولوية للمجلس، حيث شرح الأسباب الموضوعية التي تحول دون إمكانية وضع برنامج زمني لخصخصة الشركة، وقد أكد على جدية التزامه بتحويل "الكويتية" إلى شركة رائدة قبل بيعها للقطاع الخاص في أقرب فرصة ممكنة. ولا يشكك من يعرف سامي النصف في هذه الجدية، إذ تشهد عليها جهوده المتواصلة في المواقع التي شغلها سابقاً منذ أن كان قائد طائرة في الخطوط الكويتية التي عمل بها منذ بداية السبعينيات وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن، ثم عند شغله موقع مدير الأمن والسلامة في الشركة، ثم عند تقلده المنصب الوزاري في وزارتي المواصلات والإعلام.
من بين الأسباب الموضوعية التي ذكرها عدم رغبته في تأجيل أي ملف من ملفات القضايا التي تخدم تحويل "الكويتية" إلى شركة تجارية ناجحة إلى مراحل زمنية لاحقة، لأنه عازم على التعامل مع كل الملفات الشائكة "كفاءة الإدارة، وإشكالية الموظفين، وتأجير الطائرات، وتحديث الأسطول والصيانة وغيرها" بالتوازي، ودون تخصيص أولوية لأي منها، ويرى عملية الإصلاح التي يزمع تنفيذها لن تحقق أهدافها إذا لم تكن شاملة ومتكاملة ومتزامنة. كما أشار إلى أهمية تحديث أسطول الشركة من الطائرات وهو أمر لا يمكن البدء به دون تحديد حقيقي لخطة الشركة المستقبلية المتعلقة بالمحطات التي تنوي "الكويتية" الوصول إليها، كما أنه أمر يرتبط أيضا بالبرامج الزمنية للجهات المصنعة للطائرات. وهذا ملف، كما سواه، من الملفات شديد الأهمية، وحسمه بكفاءة قد يعني التحول من الخسارة إلى الربح، وقد يحدث العكس إذا كان الحسم متعجلاً، ومجلس إدارة "الكويتية" لا يمكنه وهو في مستهل عمله أن يحدد عدد ونوع الطائرات التي ينبغي شراؤها دون اطلاع وافٍ ودراسة موضوعية وخطة للتوسع المستقبلي.أشكر الأخ النصف على حرصه على توضيح خطته، وأتفق مع ما ذهب إليه، فربحية شركات الطيران عامة تعتمد على تركيبة أسطول الشركة، فعلى مثل هذه التركيبة تتوقف قدرتها على تحقيق الكفاءة في استهلاك الوقود، والوفر في مصروفات الصيانة، وتحديد الحجم الأمثل للعمالة، بما يمكنها من المنافسة في صناعة تتسم بسرعة التطور وشدة التأثر بعشرات من المتغيرات الخارجية.وأنا واثق بأن مشروع خصخصة "الكويتية" وتحويلها من شركة متردية ومترهلة إلى شركة رائدة قد عهد به إلى الرجل المناسب، وأن المشروع قد انطلق في مساره الصحيح، وكل ما أتمناه أن لا تضيع هذه الفرصة التاريخية لإنقاذ "الكويتية" في منعطفات السياسة المحلية، ودهاليز بيروقراطية العمل الحكومي كما ضاع غيرها من الفرص الواعدة.* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت