لا يسعنا التحدث عن حياة رئيس الولايات المتحدة الأميركية الخامس والثلاثين جون ف. كينيدي من دون التطرق إلى مغامراته النسائية الكثيرة. فقد تناولت وسائل الإعلام خلال حياته وبعد اغتياله أسماء كثيرات جمعتهن بالرئيس علاقة رومنسية. لكن ما يميز ميمي ألفورد عن سائر عشيقات الرئيس كينيدي رغبتها في الحفاظ على هذه العلاقة سراً. فقد ذكرت ألفورد، وهي اليوم امراة متزوجة وجدة لسبعة أولاد: «ظننت أن هذا سيبقى سري حتى مماتي».

Ad

بدأت علاقة ألفورد بكينيدي في صيف عام 1962، حين كانت لا تزال في التاسعة عشرة من عمرها. ودامت طوال 18 شهراً. غير أن ألفورد قررت الاحتفاظ  بهذا السر لنفسها طوال إحدى وأربعين سنة. لكن في عام 2003، افتُضح سرها، عندما ورد اسمها بين سلسلة من أسماء عشيقات الرئيس الراحل كينيدي، الذي اغتيل في 22 نوفمبر عام 1963.

مع انكشاف هذا السر هبت على حياة ألفورد الهادئة عاصفة هوجاء، فراحت وسائل الإعلام تطاردها، ما حدا بها إلى أعادة النظر في حياتها، وقررت أخيراً الخروج عن صمتها. فضمنت تفاصيل علاقتها بالرئيس كينيدي في كتاب من  مئتي صفحة بعنوان Once Upon A Secret: My Hidden Affair With JFK. جاء كتابها أقرب إلى اعترافات امرأة كانت ضحية. لم تحاول ألفورد تصوير علاقتها كمجرد مغامرة عابرة عابثة مع شخصية مشهورة، بل، كما ذكر صحافي The Guardian روبرت ماكروم، «كدراسة حالة من ثلاثة فصول عن امرأة حلقت عالياً فأحرقتها الشمس». وإليكم نصاً من مذكرات ألفورد هذه.

لكل منا سر... إليكم سري

في صيف عام 1962، كنت في التاسعة عشرة من عمري وأتدرب في المكتب الإعلامي في البيت الأبيض. خلال ذلك الصيف وطوال الأشهر الثمانية عشرة التالية، أقمت علاقة حميمة ومطولة مع الرئيس جون ف. كينيدي حتى موته المأساوي في شهر نوفمبر عام 1963.

احتفظت بهذا السر كما لو أنه مقدس طوال أكثر من أربعين سنة. ولم أطلع عليه سوى القليل من الناس، بمن فيهم زوجي الأول. لم أخبر والديّ أو حتى أولادي بعلاقتي هذه. وظننت أن هذا سيبقى سري حتى مماتي.

لكني كنت مخطئة.

في شهر مايو من عام 2003، نشر المؤرخ روبرت دالك كتاباً بعنوانAn Unfinished Life: John F. Kennedy 1917-1963. وقد ضمن أحد مقاطعه في الصفحة 476 مقتطفاً من 18 صفحة عن مقابلات وشرائط تاريخية جمعتها عام 1964 المساعدة السابقة في البيت الأبيض باربارا غاماركيان. كانت هذه المواد التاريخية قد نُشرت أخيراً مع مجموعة من الوثائق، التي كانت تحتفظ بها مكتبة جون كينيدي الرئاسية في بوسطن ولم تُكشف للعموم. فقرر دالك استغلال مقطع منها مثير للاهتمام. إليكم ما جاء فيه:

لطالما كانت علاقات كينيدي العابثة مصدر تسلية، إلا أنها تحوّلت خلال هذه الفترة إلى متنفس يلجأ إليه للتخفيف من التوتر اليومي غير المسبوق الذي يتعرض له. أقام كينيدي علاقات مع نساء عدة، من بينهن باميلا تورنر، المسؤولة الإعلامية الخاصة بجاكي، ماري بنشوت ماير، أخت زوجة بن برادلي، سكريترتان في البيت الأبيض دعيتا على سبيل المزاح فيدل وفادل، جوديث كامبل إكسنر التي صارت محط أنظار مكتب التحقيقات الفدرالي بسبب علاقاتها بزعماء عصابات أمثال سام جيانكانا، و{فتاة طويلة، نحيلة، جميلة في التاسعة عشرة من عمرها كانت في سنتها الثانية في الجامعة وتتدرب في البيت الأبيض، عملت في المكتب الإعلامي خلال فصلي صيف. (لم «تكن تتمتع بأي مهارات. لم تستطع الطباعة على الآلة الكاتبة»، حسبما يتذكر أحد أعضاء الفريق الإعلامي).

لم أكن على علم بكتاب دالك عندما صدر. تُعتبر الكتب عن قصة حياة جون ف. كينيدي مصدر كسب كبيراً في عالم النشر. يصدر كتاب أو اثنان منها كل سنة، فيحدثان ضجة لفترة قصيرة ثم يُنسيان. لذلك، حاولت ألا أعير هذه الكتب اهتمامي، فأبيت شراء أي منها. على رغم ذلك، كنت أقصد بين الحين والآخر متاجر بيع الكتب في مانهاتن، حيث أقيم، لأقرأ مقتطفات منها عن السنوات التي أمضيتها في البيت الأبيض. كان جزء مني يسر بهذه التفاصيل لأنني كنت موجودةً هناك. من المفرح أن نعيش مجدداً مرحلة من حياتنا. لكن القلق كان يتملك الجزء الآخر مني، فقد أردت أن أعرف ما إذا كان سري قد افتضح. صحيح أني لم أملك أدنى فكرة عن كتاب دالك، بيد أن وسائل الإعلام لم تغفل عنه، خصوصاً أن فضيحة مونيكا لوينسكي، التي كادت أن تطيح بكلينتون قبل خمس سنوات، أشعلت حب الناس لمعرفة فضائح حياة قادتنا الجنسية. هكذا، أثار ذكر دالك لتلك «الفتاة التي كانت تتدرب في البيت الأبيض» اهتمام صحيفة Daily News في نيويورك. فقد تبين لهم أن هذه الفتاة تخفي وراءها قصة كبيرة. لذلك، شكّلوا بسرعة فريقاً خاصاً من المراسلين لمعرفة هويتها الغامضة ومكان سكنها.

  في أمسية 12 مايو، عبرت قرب كشك لبيع الصحف في حينا في مانهاتن ولاحظت أن صورة للرئيس كينيدي احتلت كامل الصفحة الأولى من صحيفة Daily News. كنت في عجلة من أمري لأني تأخرت على صف اليوغا، فلم أعر العنوان أي اهتمام، خصوصاً أن جزءاً منه كان مخبأ تحت كومة من الصحف. أو ربما لم أشأ أن أراه. كنت أعي تماماً أن الصحف الصفراء، مثل Daily News، تميل إلى التركيز على مسائل جون ف. كينيدي الشخصية وفضائحه. ولطالما أثارت هذه الأخبار اشمئزازي، فقد ذكرتني بأني لم أكن مميزة في علاقات كينيدي مع النساء وأنه أقام دوماً علاقات مع أخريات. لذلك، تابعت طريقي مسرعة، مبعدة صورة جون كينيدي عن تفكيري. لا شك في أن الاحتفاظ بسر طوال 41 سنة يجعلك تنكر بعض أوجه حياتك الخاصة. فتضطر إلى احتجاز وقائع مؤلمة غير مرغوب فيها وعزلها. في تلك المرحلة من حياتي، كنت قد أتقنت ذلك بمهارة.

 لكن إسراعي في الانصراف والهرولة إلى صف اليوغا فوَّتا علي ملاحظة العنوان الكامل تحت الصورة: «لجون ف. كينيدي مونيكا: مؤرخ يقول إن كينيدي كان على علاقة بطالبة تدربت في البيت الأبيض». انطلقت القصة في الداخل مما ورد في كتاب دالك ثم أوردت مقابلة جديدة مع باربارا غاماركيان، التي ذكرت أنها تتذكر فقط الاسم الأول لتلك الشابة، التي كانت في التاسعة عشرة من عمرها، إلا أنها رفضت الكشف عنه. لا شك في أن رفضها هذا دفع بالصحيفة إلى الغوص عميقاً في تلك الرواية.

في صباح اليوم التالي، وصلت في الساعة التاسعة إلى مكتبي في الكنيسة المشيخية في الجادة الخامسة. علّقت معطفي كعادتي، ثم ارتشفت القليل من كوب القهوة الذي اشتريته من مقهى C’est Bon كما أفعل يومياً. جلست بعد ذلك وتحققت من بريدي الإلكتروني. فلاحظت أن أحد أصدقائي بعث لي بوصلة إلى خبر وارد في Daily News. فنقرت على الوصلة من دون أن أعلم إلامَ ستفضي. وفجأة ظهر أمامي العنوان «مرح وتسلية مع ميمي في البيت الأبيض». ذكر صديقي أنه أرسل لي هذه الوصفة بسبب «التشابه المضحك» في الأسماء.

أدركت للمرة الأولى في حياتي ما يعنيه الناس عندما يقولون إن أنفاسهم انقطعت. شعرت ببرد شديد، فسارعت إلى إقفال الباب وقرأت المقال على عجل. صحيح أن اسم عائلتي في تلك الفترة، فانستوك، لم يُذكر، غير أن إحساساً غريباً بالخوف اعتصر قلبي وأحسست أن حياتي على وشك أن تنقلب رأساً على عقب. كانت هذه اللحظات التي خشيتها طوال حياتي كامرأة بالغة.

حاولت البقاء هادئة، فتنفست عميقاً ورحت أتحقق في ذهني من أمور لم ترد في المقال. لم تعرف الصحيفة مكان سكني الحالي ولم تتصل بأي من أصدقائي. لم تتحدث إلى أي ممن كنت معهم في البيت الأبيض. لا تملك صورة لي. ولو كانت تعرف تفاصيل إضافية عني لأوردتها في هذا المقال، أليس كذلك؟ ولا شك في أنها كانت ستحاول العثور عليها لمعرفة رأيي.

لم يحدث أي من هذا كله.

علاوة على ذلك، أوشك سري هذا أن يُفتضح مرات عدة في الماضي. فقبل سنة، اتصلت بي الكاتبة سالي بادل سميث في المنزل، وأخبرتني أنها تعد كتاباً عن طريقة معاملة النساء في الستينيات في واشنطن. لم يكن في موضوعها ما يسيء إلي، إلا أنها أثارت خوفي وأرتبت بأنها تبيّت نية مختلفة. لم أكن مستعدة لأميط اللثام عن سري وأخرج من حالة الإنكار التي أعيشها. ولا شك في أنني لن أبوح بأسراري لامرأة لم يسبق لي أن التقيتها. لذلك، قلت لها إنني لا أستطيع الإجابة عن أسئلتها وطلبت منها بكل لطف ألا تعاود الاتصال بي. فاحترمت قراري. هكذا، ظلّ سري في مأمن.

ولكن كان لخبر صحيفة Daily News وقع مختلف.

«ميمي تكسر صمتها»

في اليوم التالي لنشر هذا الخبر، وصلت إلى العمل لأجد امرأة جالسة خارج مكتبي. عرَّفت عن نفسها باسم سيليست كاتز، مراسلة من Daily News، وطلبت مني أن أؤكد لها أنني السيدة ميمي التي ورد ذكرها في رواية اليوم السابق. ما كان أمامي أي مجال للاختباء، ولم أرَ أي جدوى من الإنكار. فأجبتها: «نعم، أنا هي».

فعنونت الصحيفة في اليوم التالي: «ميمي تكسر صمتها».

كنت في تلك المرحلة من حياتي امرأة مطلقة في الستين من عمرها تعيش بهدوء بمفردها في شقة في المنطقة الشرقية العليا من مانهاتن على بعد شوارع قليلة من سنترال بارك. في مطلع التسعينيات، عدت إلى الجامعة بعدما تركتها قبل نحو أربعة عقود، وحصلت على شهادتي وأنا في الحادية والخمسين من عمري. اعتدت ممارسة الرياضة منذ صغري وأعشق السباقات الطويلة. لذلك، كنت أمضي ساعات طويلة قبل شروق الشمس وأنا أدور حول حوض الماء في سنترال بارك، مستمتعة بالهدوء والوحدة. توفي زوجي السابق، الذي كان طلاقي منه عصيباً، عام 1993. أما ابنتاي فكبرتا وتزوجتا ورزقتا بأولاد. لذلك، كانت هذه المرة الأولى منذ سنوات التي أشعر فيها ببعض السلام والطمأنينة.

استعنت بطبيب نفسي ليساعدني على اكتشاف مكنونات نفسي ولأصل إلى هذه المرحلة من الهدوء. فبعدما أمضيت الجزء الأكبر من حياتي كربة منزل، أفخر اليوم بالعمل الذي أنجزه في الكنيسة. عملت طوال خمس سنوات أولاً كمنسقة للخدمة السمعية (أسجل وأنتج العظات المميزة لكبير قسوسنا الدكتور توماس ك. تيويل)، ومن ثم مديرة لموقع الكنيسة على الإنترنت. تحولّت الأشرطة السمعية التي أنتجتها إلى مصدر دخل مهم للكنيسة. أما بالنسبة إلي، فلم يكن هذا العمل وسيلة لكسب الرزق فحسب, بل أضفى على حياتي نوعاً من الروتين وجواً من الطمأنينة. لست امرأة متدينة، إلا أني روحانية، وأعشق عملي في الكنيسة. كذلك، أحب الحفاظ على خصوصياتي.

إلى العلن

عندما خرج سري إلى العلن، لم ينتشر في نيويورك فحسب، بل في أرجاء الولايات المتحدة كافة وأوروبا أيضاً. هكذا، صرت للأسف محط أنظار الجميع. حفلت الصحف بشتى العناوين، فجاء بعضها متوقعاً أو تافهاً وبعضها الآخر مثيراً للاهتمام، من بينها «من مونيكا إلى ميمي»، «ميمي: الله وحده يعرف القلوب»، {جون كينيدي والسيدة العاملة في الكنيسة». حتى إن إحدى كاتباتي المفضلات، نورا إفرون، سخرت مني في صفحة المقالات التحليلية في صحيفة New York Times. انهالت علي طلبات إجراء مقابلات فامتلأ مجيبي الآلي برسائل من كاتي كوريك، لاري كينغ، ديان سوير، وبالتأكيد صحيفة National Enquirer، التي مررت من تحت باب شقتي ظرفاً فيه أوراق مالية من فئة 20 دولاراً، فتبرعت بها إلى الكنيسة. كذلك، انهمرت علي الرسائل من المجلات الأسبوعية. كانت كلها تبدأ على النحو التالي: «عزيزتي السيدة فانستوك، أعتذر على التطفل. أدرك أنك تمرين بمرحلة صعبة، ولكن...». ثم يذكرون ما يريدونه مني. حتى إن أحد منتجي هوليوود بعث إلي بباقة ورد، قبل أن يراسلني طالباً مني حقوق إنتاج فيلم عن قصة حياتي. كذلك، عرض علي في رسالته مليون دولار قبل أن يلتقي بي. فضلاً عن ذلك، اصطف مديرو الأعمال أمام بابي طالبين تمثيلي. فاتصل بي إدوارد كلاين، الذي ألف كتابين مهينين عن آل كينيدي، وأخبرني أنني إن سمحت له بتأليف كتابي فسأصبح ثرية وسأتمكن «من العيش بسلام». كذلك، حفل بريدي الإلكتروني برسائل من الأصدقاء، الأحباء، مطاردي المشاهير، والنقاد. لكن امرأة تعرفت إليها خلال دراستي في الجامعة مدتني بشيء من العزاء، إذ كتبت: «أرجوك تذكري أن كل ما يحدث ما هو إلا أخبار هذا الأسبوع وسيُنسى قريباً. تكمن المشكلة أن جون كينيدي وألفيس سيان. نظن أننا نعرفهما جيداً، إلا أننا نود دوماً سماع المزيد من أخبارهما».

رفضت طلبات وسائل الإعلام كافة. شكرت محبيّ على لطفهم. تجاهلت النقاد لأنني أدركت ألا جدوى من محاولة التفاهم معهم بعقلانية لأنهم يظنون أنني تعمدت الإساءة إلى ذكرى جون كينيدي أو أنني أختلق هذه القصة. ظللت أذكر نفسي أنني لم أقرر بملء إرادتي كشف سري، بل فرض علي هذا الأمر فرضاً.

كنت قد أمضيت السنوات الأربعين الماضية خائفةً من أن يكتشف أحد علاقتي هذه، يبحث عني، يجدني، ويفضح سري. وها أنا مضطرة اليوم إلى مواجهة مخاوفي هذه. لكن هذه التجربة منحتني شعوراً بالانعتاق على نحو غريب. كنت أعيش في جو من الهدوء، فيما كانت عاصفة الإعلام تهب هوجاء، فأدركت أن بإمكاني الإمساك بزمام الأمور وألا داعي للخجل. هكذا، انتهى زمن الاختباء.

أدليت بتصريح مقتضب لأسراب المراسلين الذي عسكروا أمام المبنى الذي أسكنه: بين يونيو 1962 ونوفمبر 1963، أقمت علاقة حميمة مع الرئيس كينيدي، وطوال السنوات الإحدى والأربعين الماضية لم أناقش هذا الموضوع. لكن نظراً إلى التغطية الإعلامية الأخيرة، ناقشت هذه المسألة مع أولادي وعائلتي. وقدموا لي دعمهم الكامل».

اكتفيت بهذا القدر من الكلام.

اسمي الكامل ماريون بيردسلي فانستوك ألفورد. وتلخص أسماء العائلة الثلاثة هذه بطريقة ما كل ما تحتاجون إلى معرفته عني وعن خلفيتي. حملت الاسم بيردسلي طوال السنوات العشرين الأولى من حياتي، التي تشمل علاقتي الحميمة بجون كينيدي. وطوال العقود الأربعة التالية، حملت الاسم فانستوك، اسم عائلة الرجل الذي اقترنت به في شهر يناير عام 1964، بعد شهرين من مقتل الرئيس كينيدي. هكذا، ارتبط فانستوك بالجزء الأكبر من حياتي كامرأة بالغة، وهو الاسم الذي حملته ابنتاي يوم ولدتا. لكني صرت اليوم من آل ألفورد بسبب زواجي عام 2005 من ديك ألفورد، حب حياتي الأكبر الذي ما كنت لأتعرف إليه لولا لم يُكتشف سري عام 2003. وألفورد هو الاسم الوحيد الذي استخدمه اليوم، وهو الاسم الوحيد الذي دوّن على غلاف هذا الكتاب.

لا شك في أن لقراري هذا سبباً وجيهاً. فما عدت ميمي بيردسلي، تلك الفتاة الضعيفة البالغة من العمر 19 سنة التي أقامت علاقة مع أقوى رجل في العالم. كذلك، لم أعد ميمي فانستوك الخائفة المقيدة عاطفياً التي أمضت عمرها تحاول التأقلم مع عواقب علاقة مرت في حياتها وتناضل للتغلب عليها.

صرت اليوم ميمي ألفورد، ولست نادمة على ما قمت به. كنت شابة وانجررت إلى تلك العلاقة. لا يمكنني تغيير هذا الواقع. مرت 10 سنوات منذ افتضح سري ونُشر على الملأ في مختلف أرجاء العالم. لكني أمضيت الكثير من الوقت خلال السنوات السابقة في التفكير في تلك المرحلة الباكرة من حياتي والطريقة المثلى للتعبير عن مشاعري تجاهها، هذا إذا كان يجب أن أعبّر عنها أساساً. تخلصت من هذه المخاوف اليوم. حتى ذلك اليوم من شهر مايو، كنت أشعر بفراغ في داخلي لم أجد سبيلاً إلى ملئه. لكن بعدما أصبحت ميمي ألفورد، اختبرت سعادة واكتفاء حرراني وعلماني أهمية الإمساك بزمام حياتي.

في البداية، كتبت رسائل (لم أرسلها مطلقاً) إلى حفيدتي الكبرى «لأوضح المسائل كافة». استهللت رسالتي: «حبيبتي إيما، أود أن أخبرك قصة لأنك ذات يوم، عندما تكبرين، قد تصادفين اسمي في كتاب عن رئيس أميركي. أريد أن أطلعك على الوقائع...». لكن قصة حياتي لم تقتصر على تلك الحقائق التي شعرت بضرورة تدوينها. فالعيش مع ذلك السر أعاق نموي العاطفي. وأعي اليوم أن تلك الرسائل ما كانت سوى محاولة لأفهم. أدركت أن الإمساك بزمام حياتي يتطلب تفكيراً عميقاً في مكنونات نفسي، تفكيراً يجب ألا يبدأ وينتهي عند تلك الفترة التي أمضيتها في البيت الأبيض. يمثل هذا الكتاب رواية خاصة صدف أن لها وجهاً عاماً. ولا أريد لذلك الوجه العام من الرواية (الوجه الذي أعتبر معه مجرد وسيلة تسلية رئاسية) أن يحدد هويتي.

قد يصعب على البعض تصديق أن مراهقة عفيفة قد ينتهي بها المطاف إلى سرير رئيس الولايات المتحدة الأميركية في يومها الرابع في البيت الأبيض، لكن القصة ليست بهذه البساطة. تبدأ رواية على متن قطار متجه إلى العاصمة واشنطن.