السنوات العجاف!

نشر في 03-09-2012
آخر تحديث 03-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب يبدو أن المهرجانات السينمائية المصرية مقبلة على سنوات عجاف بمعنى الكلمة، ففي أعقاب «الانقلاب» الذي قاده د. صابر عرب، وزير الثقافة المصري، على قرار وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي، الذي كان يقضي برفع العبء عن الدولة وتحرير مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجانات أخرى من هيمنة الدولة، ممثلة في وزارة الثقافة، وترك الفرصة للجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظماته لإدارة المهرجانات مقابل تعهد وزارة الثقافة بتحمل سداد نصف الميزانية المحددة لأي مهرجان، بعد التأكد من مطابقته الشروط والمعايير المحددة، عادت الوزارة للسيطرة على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي ينطلق بدورته الخامسة والثلاثين في 27 نوفمبر المقبل، بحجة حمايته من سحب الصفة الدولية!

وعلى غير توقع، فاجأ «الوزير» الجميع بإبلاغ إدارة مهرجان «الأقصر للسينما المصرية والأوروبية» بإيقاف الدعم المالي المخصص للمهرجان، والاكتفاء بالدفعة الوحيدة التي تم صرفها في مارس الماضي وقدرها 500 ألف جنيه (83 ألف دولار أميركي) من أصل مبلغ يُقدر بمليونين و200 ألف جنيه مصري (376 ألف دولار) كان من المتفق الانتهاء من تسليمه بالكامل لإدارة المهرجان منذ عشرة أيام!

المفارقة المثيرة أن قرار الوزير بالامتناع عن الدفع تم اتخاذه قبل 20 يوماً من بدء أعمال دورة المهرجان الأولى، وإرسال إدارته الدعوة إلى أكثر من 100 ضيف أوروبي، بعد موافقتهم على الحضور والمشاركة، بالإضافة إلى 150 ضيفاً مصرياًَ من الفنانين والإعلاميين وصانعي السينما، الأمر الذي وضع المهرجان في حرج كبير، ويُنذر بفضيحة كبرى تهدد سمعة مصر في المحافل الدولية.

صحيح أن إدارة المهرجان، برئاسة ماجدة واصف المسؤولة السابقة عن السينما في معهد العالم العربي في باريس، ومديرة «بينالي السينما العربية» الذي تم إيقافه أيضاً بحجة عدم وجود ميزانية، تقدمت بطلب عاجل لمقابلة رئيس الوزراء للوصول إلى قرار بشأن الأزمة، لكن المشكلة لن تُحل بقرار حاسم يُصدره رئيس الوزراء بل تتعلق بغياب «الاستراتيجية» التي تضمن استمرار الفعاليات الثقافية، ومن بينها المهرجانات الفنية، من دون أن يصبح الأمر مرهوناً بإرادة «الوزير» أو رغبة «الجماعة»، وهو ما يطرح السؤال الأهم في هذا السياق: «هل تؤمن الدولة بدور المهرجانات السينمائية أم تراها مضيعة للوقت والجهد والمال و{رجساً من عمل الشيطان»، وإثماً عظيماً لا يُغتفر؟

في هذا السؤال تكمن الأزمة الحقيقية، وبدلاً من بيانات الشجب والإدانة، التي يُصدرها المثقفون والنقابات الفنية، و{لا تُحرك شعرة في رأس الوزير»، الذي يراها فرصة لتفتيت الصف وتفريق الشمل، بين فصيل مؤيد وتيار معارض، تبدو الحاجة ملحة لبناء موقف أعم وأشمل تجاه الدولة نفسها، بحيث تجد نفسها مُجبرة على تحديد موقفها بدقة، ومن دون مراوغة، وتجيب عن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: «هل ترى في المهرجانات عمقاً استراتيجياً لها يُجمل سمعتها، ويعكس صورتها الحضارية أم تنظر إليها بوصفها «تحصيل حاصل»، وترفاً يستفز «الفقراء» ولا ينعم بخيره سوى «المثقفون»؟ علماً بأن عدد المهرجانات التي تنظمها دولة مثل المغرب يتراوح ما بين 150 و170 مهرجاناً في العام الواحد!

في البدء كانت أزمة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي وصفناه بأنه راح «ضحية البيروقراطية» و{تصفية الحسابات الشخصية»، واليوم تتفجر مشكلة مهرجان «الأقصر للسينما المصرية والأوروبية»، وأغلب الظن أنها ستتكرر خلال ساعات مع مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط، الذي يواجه تعنتاً من جانب الوزارة أيضاً، وربما تدخل إدارته في صدام قبل تسعة أيام من بدء أعمال دورته الجديدة، وهو ما ينبيء بأن المهرجانات السينمائية المصرية على أبواب نفق مظلم في وقت كانت مؤهلة فيه، لو أرادت الدولة، لأن تؤدي دوراً كبيراً في «تبييض السمعة»، وإعطاء مؤشرات عملية، وإشارات إيجابية، تؤكد عودة الأمن والاستقرار، وأن الفن ما زال يحتل أولوية الاهتمامات، لما له من دور لا يمكن إنكاره، ورسالة لا ينبغي تجاهلها ولكن يبدو أن «البيروقراطية» أعلى صوتاً وأقوى تأثيراً في «الوزراء» و{الموظفين»، وأننا نصرخ في البرية، إلا إذا كان ما يحدث من أزمات مفتعلة يتم حسب سيناريو مُخطط له بدقة، ومُتفق عليه بعناية لإخراس المبدعين وتقليص مساحة الإبداع... وتحريم الفن!

back to top