منْ استمع إلى خطاب الرئيس المصري محمد مرسي في قمة عدم الانحياز في طهران بعقل وقلب مفتوحين لا بد أن ترسخ لديه قناعة صادقة بأن مصر قد بدأت تلتقط أنفاسها بعد غيبوبة طويلة، وأنها غدت متجهة لتسلم دورها القيادي والطليعي أيضاً، إنْ في مجالها العربي، الذي هو مجالها الحيوي الأول والرئيسي، وإن في مجالها الإفريقي، وإن في مجالها الدولي الذي يشمل مجموعة عدم الانحياز والعديد من التكتلات الجهوية والإقليمية المماثلة المهمة. والأمر هنا لا يقتصر فقط على الموقف الحازم والواضح والشجاع الذي أعلنه وأكده الرئيس مرسي من قلب طهران، المنحازة إلى النظام السوري انحيازاً كاملاً، والمشاركة في ذبح الشعب السوري منذ اليوم الأول وحتى الآن، حيث وصف الأسد بأنه "ظالم" وأنه "فقد شرعيته" وطالب ممثلي الدول المشاركة وعددها مئة واثنتان وعشرون دولة بالتضامن مع الشعب السوري "لأن التضامن مع هذا الشعب واجب أخلاقي". فالرئيس المصري، الذي كان خطابه أمام قمة عدم الانحياز خطاباً مصرياً يذكِّر بتلك الأيام التي كانت مصر عندما تتحدث فيها كانت المنطقة كلها تستمع لما تقوله من خلال مسامات جلدها، بينما كان العالم ينتظر جديداً مهماً تتوقف عنده عقارب ساعة الزمن، قد قطع الشك باليقين بأن وطنيته وقوميته قد تغلبتا على "إخوانيته" التي تجلت في تشكيل وفده الاقتصادي إلى بكين في زيارته الأخيرة، وأنه بإمكان الذين بقوا منذ اختياره رئيساً لهذه الدولة العربية، التي مرّ دورها القيادي والطليعي في هذه المنطقة العربية والشرق أوسطية بمرحلة مريضة، يضربون أخماساً بأسداسٍ، أن يتنفسوا الصعداء وأن يراهنوا، على أنه لا عودة إطلاقاً إلى تسلط الحزب الواحد ولا إلى القائد الأوحد، وأن هذا البلد العربي قد وضع أقدامه بعد ثورته المباركة على بداية الطريق الذي سيوصله إلى ما عليه كل الدول الديمقراطية والتعددية المتحضرة والمتقدمة في العالم بأسره. لكن، ومع أن محمد مرسي بهذا الخطاب وبما تضمنه من مواقف شجاعة يؤكد أن مصر عائدة لا محالة إلى دورها الذي غاب وغُيِّب لفترة طويلة، إلا أنه لا بد من إبداء مخاوف فعلية من أن يغلب "الإخوان المسلمون" في مصر نزعتهم الاستحواذية والانفرادية وتضورهم جوعاً للسلطة وللحكم على الوطنية الصادقة التي أظهرها الرئيس المصري الجديد في هذه التظاهرة الكونية، وعلى بعد الأفق وسعة الرؤية للدور الذي رسمه لهذا البلد العربي الطليعي، بينما المنطقة تدخل هذه المرحلة الخطيرة. ولهذا فإننا نقول: "اللهم احمِ مرسي من محازبيه، ومن يعتبرون أنفسهم من أصدقائه، أما أعداؤه فإنه ومعه الشعب المصري كفيل بهم". والحقيقة إن التصرفات "الإخوانية"، ليست من الجميع بل من البعض، وتشير إلى أن مهمة الرئيس مرسي، إن هو بقي يسير على طريق ما أعلنه في قمة طهران، ستكون صعبة جداً، وأن نجاحه في أن يكون رئيساً لمصر كلها وليس لجماعة حزبية ضيقة سيرتطم بالمصابين بمرض التضور جوعاً للسلطة والحكم من "إخوانه" الذين مازالوا متأثرين بالوضعية الشمولية التي عاشوها، ليس من عهد "مينا"، بل من عهد جمال إلى عهد السادات إلى عهد مبارك الذي أدخل هذا البلد العظيم في نهايات مرحلته في غياب شامل، وفي غيبوبة طويلة.
Ad