حالة الاستياء الواسعة عند الشيعة على التشكيل الحكومي الأخير، وكذلك تصويت الحكومة في اختيار نائب رئيس مجلس الأمة، أو كما يصفها البعض بالصدمة قد تكون هي المستغربة لمن يعرف حتى القليل من بواطن الأمور في طريقة تعامل السلطة مع الواقع السياسي الكويتي ليس الآن إنما عبر مسيرة تاريخية طويلة، اختزلها الزميل الكاتب والوزير السابق عبدالهادي الصالح بطريقة موضوعية ومنصفة قبل أيام قليلة سبقت إعلان الحكومة وجلسة افتتاح المجلس.
وردة الفعل من خروج الدكتور فاضل صفر من الوزارة أو خسارة النائب سيد عدنان عبدالصمد لمنصب نائب رئيس المجلس يجب ألا تقاس من منظور شيعي ضيق، فالوزير صفر أثبت لخصومه قبل مؤيديه، كيف يمكن لرجل في موقع حساس من المسؤولية ويتربع على كنز مالي لا ينفد، أن نظافة اليد والضمير قد يكونان عملة صعبة ونادرة، ولكنهما موجودان لدى البعض من الكفاءات الوطنية.والنائب عبدالصمد يظل من القلائل من أصحاب المسيرة البرلمانية الطويلة، وإن اختلف معه الكثير سياسياً في السنوات الأخيرة، ممن لم تمس له شعرة في قضايا الذمة المالية، ناهيك عن خبرته النيابية الطويلة التي تؤهله لمنصب الرئاسة وبفارق كبير مع زملائه الحاليين مع كامل الاحترام للجميع وليس لنائب الرئيس حتى.وإذا كان هذا هو الانطباع العام للمجاميع التي شاركت في الانتخابات الأخيرة، وتحت شعار الانتصار للكويت وبعيداً عن كتلة المعارضة بما تحمل من خطاب إقصائي وتأزيمي عند بعض أعضائها، ألم يكن من المنطق والحكمة وإيصال الرسالة الوطنية أن يتبنى النواب في مجلس 2012 أنفسهم تزكية مثل هذين الرجلين أو غيرهما ممن يحملون ذات الكفاءة والخبرة، ويفرضوهما على الحكومة فرضاً؟!وقد قلناها في أكثر من مناسبة إن الرهان على الحكومة "ما يوكّل خبز"، وخاصة مع الشيعة، حيث تعتبرهم الحكومة دائماً في الجيب، وعلى الشيعة بالذات أن يتجاوزوا الهاجس النفسي بأنهم دائماً يجب أن يكونوا في صف الحكومة وإلا صنفوا بعدم الولاء واللاوطنية والتخوين، وأنهم جزء أصيل ومكمل للنسيج الكويتي ويشتركون مع جميع المواطنين في السراء والضراء، وقد يختلفون أو يتفقون مع بعضهم أو غيرهم في المواقف السياسية والقضايا العامة كسمة طبيعية للإنسان وثقافته وقناعاته وتشخيصه للمشاكل وطرق حلها.وإن الرقم الصعب لنواب الشيعة اليوم يجب أن يستثمر ليس في طلب منصب هنا أو هناك، فهذه المواقع زائلة بالتأكيد وقد يملؤها أي كويتي، إنما في المساهمة مع الجميع بخلق أرضية تشريعية لبناء بلد بمؤسسات ومعايير ومبادئ يستشعر كل مواطن في ظلها أنه جزء من كل، ويتمتع بدرجة متساوية من الحقوق والمكتسبات، وأن ينبري من جهة أخرى لفتح عيونه جيداً على مسلسل الفساد والمليارات السائبة من أموال الكويتيين التي يسيل لها كل لعاب، فهذا هو الحليب الذي يستحق البكاء عليه إن سكب؟!
مقالات
البكاء على الحليب المسكوب!
21-12-2012