على الأغلبية النيابية إن كان لديها فعلا أناس «تفهم سياسة» أن تضع خطتها لمواجهة كل ما يصدر من أحكام بالدوائر الخمس أو العشر أو الخمس والعشرين، وأن تتكيف مع الأوضاع كافة، وتجد لها الحلول التي تكفل لها العودة مجدداً بدلا من تضييع الوقت «بالتحلطم» والصراخ في ساحة الإرادة.
ما تقوم به الأغلبية البرلمانية هذه الأيام من دعوة إلى التجمع والاعتصام في ساحة الإرادة بسبب قيام الحكومة بإحالة قانون الدوائر الخمس إلى المحكمة الدستورية يدخل في بند الفجور بالخصومة والمكابرة والعناد، واستمرار حالة العبث والفوضى التي لا تنتهي في هذا البلد، فالكل يريد أن يفرض رأيه على الآخر وإن كان مخالفا للدستور الذي أصبح- كل من يدوس في بطنه- يزعم أنه حامي حماه والمدافع عنه!أقول هذا وأنا أدرك تماما أن الحكومة ما قامت بإحالة نظام الدوائر الخمس إلى المحكمة الدستورية في هذا الوقت بالذات إلا لأنها قد وجدت في هذه الإحالة ورقة تتيح لها التخلص من الأغلبية النيابية الحالية فلجأت إليها، ونواياها واضحة بالعودة لما كان عليه الوضع قبل المجلس السابق، فأغلبية 2012 سيطرت على الحكومة وتدخل أعضاؤها في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها، فلم يكن من مخرج لهذا "الكابوس" المحتمل عودته سوى نسف نظام الدوائر الخمس الذي تظن أنه السبيل الوحيد لعودتهم جميعا!وحكومتنا "الرائعة" حين أحالت الدوائر الخمس إلى "الدستورية" كان بلا شك آخر ما يخطر في بالها العدالة والإنصاف للناخبين، فهي ما قسمت الدوائر الخمس في السابق إلا وقد حسبتها لمصلحتها، وذلك حين وضعت عدداً من القبائل والطوائف عرفوا كموالين دائمين ومضمونين لها على رأس بعض الدوائر، ولم يخطر في بالها أن يتخلى هؤلاء سريعا عنها ليقودوا المعارضة في شراسة لا تصدق جعلتها تترحم على معارضة الأمس وتتمنى عودتهم اليوم قبل الغد!لكن، مع كل هذا، فإن العقل والمنطق يدعواننا إلى النظر إلى مشروعية الفعل نفسه لا إلى نية الفاعل أو مصلحته، ولنسأل كل الداعين إلى التجمهر والاعتصام هل إحالة الدوائر الخمس إلى "الدستورية" إجراء سليم مستحق أم لا؟!الواقع أن الإجراء سليم ومستحق، فالتركيبة الحالية للدوائر الخمس كما يعلم الجميع تفتقد لأبسط أسس العدالة والإنصاف، فقد همشت أدوار كثير من القبائل الصغيرة وجعلت من المستحيل على أي مرشح أن يصل إلى البرلمان دون سند من قبيلته الكبيرة المسيطرة على الدائرة، كما أن الميزان الصوتي لناخب في دائرة صغيرة يعادل ضعفه في دائرة كبيرة، ومع شديد الأسف، فإن استمرار هذا الظلم والجور يحلو لنواب الأغلبية التي لا يعنيها سوى عودة أعضائها إلى كراسيهم في البرلمان، ولو كان هذا على حساب عشرات أو مئات الآلاف من المواطنين!إذن فالإحالة إلى "الدستورية" لا تشوبها شائبة سوى "التوقيت" الذي قلنا إنه يأتي في مصلحة الحكومة أو السلطة- إن شئتم- بعد ارتفاع سقف المطالبات في الآونة الأخيرة، لذلك، لا يجوز بأي حال من الأحوال الدعوة إلى التجمهر والاعتصام أو الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات في حال صدور حكم لا يطيب للبعض، وهو أمر متوقع حسب تصريحات معظم الخبراء الدستوريين الذين تم الاستئناس برأيهم، والذين لم يسلموا من "طشار" الاتهامات المعتادة بالتآمر وبيع الذمم فقط لأنهم أدلوا بآرائهم القانونية والدستورية!على الأغلبية النيابية إن كان لديها فعلا أناس "تفهم سياسة" أن تضع خطتها لمواجهة كل ما يصدر من أحكام بالدوائر الخمس أو العشر أو الخمس والعشرين، وأن تتكيف مع الأوضاع كافة، وتجد لها الحلول التي تكفل لها العودة مجدداً بدلا من تضييع الوقت "بالتحلطم" والصراخ في ساحة الإرادة، وبصراحة... إن كنتم عاجزين عن حل مشكلة بسيطة تواجهكم كهذه وليس لديكم القدرة على أن تلعبوا سياسة مع الحكومة، فكيف يؤمن أتباعكم بأن لديكم القدرة على انتشال البلد من كل مشاكله وصنع مستقلبه الزاهر؟!
مقالات
شاطرين بالصراخ والتحلطم !
14-08-2012