سبق لي أن كتبت هنا، بأني لا أتحفظ على فكرة استجواب أي وزير في أي وقت، طالما أن النائب يعتقد أن لديه من المادة ما يرقى لأن يكون استجوابا، خصوصا أنه ليس من اللازم دوما أن ينتهي كل استجواب إلى التصويت على طرح الثقة بهذا الوزير، بقدر ما أن الهدف الأسمى من الممارسة برمتها، كما فهمنا ذلك من النصوص الدستورية التي أسمت الاستجوابات بالأسئلة المغلظة، هو تسليط الضوء وتوجيه النظر الحكومي والبرلماني، والرأي العام بأسره، نحو موضوع، أو ربما موضوعات بعينها، يستشعر النائب أنها جديرة بذلك، في ذلك التوقيت بالذات!

Ad

ولهذا لم أكن ممن وقفوا ضد فكرة استجواب النائب صالح عاشور لرئيس الوزراء، منذ مدة ليست بالبعيدة، وذلك على الرغم من أني كنت أومن إلى حد بعيد أن النائب عاشور لم يكن يمتلك في الحقيقة مادة ثقيلة، وأن استجوابه سينتهي إلى لا شيء تماما، وهو الذي حصل بالفعل، وأنه قام بتقديمه غالبا لأجندة مرتبطة بحساباته الخاصة، لا بالحسابات الوطنية العامة.

وكذلك لم أكن ممن وقفوا ضد فكرة استجواب النائب حسين القلاف لوزير الإعلام، وهو الذي جرى وانتهى في الأسبوع الماضي، وذلك على الرغم أيضا من أني تابعت وأدركت ملابسات ومتعلقات وخلفيات الأمر، وتيقنت أنه استجواب قد ولد ميتا وسيفضي إلى لا شيء كاستجواب عاشور، لكونه قام أصلا على لا شيء حقيقيا يذكر، بقدر قيامه على الرغبة في المماحكة السياسية وإشغال الساحة بالضجيج المفتعل.

أقول بأنه وعلى الرغم من هذا كله، لم يكن في واردي أبدا معارضة حق النائبين في طرح استجوابيهما، طالما أن الدستور واللوائح المنظمة للعمل البرلماني، بهيئتهما الحالية، يسمحان بذلك، ويعطيان الفرصة لمن يريد من النواب، أن يتقدم بما يشاء من الاستجوابات، مهما كانت في نظر البعض، سخيفة هامشية، أو ترصدية تقصدية، أو مدفوعة بالرغبة في التعطيل والإزعاج السياسي.

لكن، ومع هذا كله، يظل هناك فرق شاسع بين حق النائب في تقديم استجواباته، وطريقته في ممارسة هذا الحق، وحتى أكون أكثر وضوحا ودقة فإنني هنا أشير إلى الطريقة التي جرى بها استجواب النائب حسين القلاف لوزير الإعلام، والتي كانت أقرب ما تكون إلى المسرحية الهزلية العبثية الرديئة، لا الممارسة البرلمانية المحترمة!

ما حصل من سخف وتهريج، شاهدناه جميعا عبر مقاطع الفيديو التي انتشرت وتم توزيعها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بشكل محموم، لما حوته مما يدعو للضحك والاستهزاء والازدراء، أقول إن سخافة ما حصل، لا يتحمل وزرها من قدم الاستجواب ومن تحدث مؤيدا له بأسلوب تهريجي فحسب، إنما كل من حضر تلك المأساة ولم يبد اعتراضه على مسار الأمور. كان الجدير في قناعتي، أن يوقف رئيس الجلسة ذلك التهريج المستمر، وأن يوقف من يقترفونه عند حدهم ممارسا أقصى ما تتيحه له اللائحة في ذلك الصدد، أو لعلي أذهب بعيدا فأقول إنه كان من الواجب أن تنسحب الحكومة اعتراضا على سخف وعدم جدية الاستجواب، بل أن ينسحب كل النواب المحترمين لذات السبب!

ما حصل بالأمس تحت قبة عبدالله السالم من تهريج وسخافة أمر لا يمكن القبول به ولا يصح السكوت عليه، وإن كان قد مر هكذا، دون اعتراض، فالقلق حقا أن تصبح هذه الممارسة مع الأيام شيئا معتادا ومألوفا، لتتحول مؤسستنا التشريعية في النهاية، إلى سيرك فارغ يمارس فيه التهريج والسخف وإضاعة الوقت، على حساب هذا الوطن المسكين!