ما يحدث هو نتيجة وليس سبباً
في عيد الأضحى لسنة 1990 قامت أجهزة الأمن بتطويق الخالدية وأغلقت مداخلها ومخارجها، ولم يسمح بالدخول إلا لساكني المنطقة، كما تمت إحاطة ديوانية رئيس مجلس 1985 المنحل أحمد السعدون بالأسلاك الشائكة، ولم يكن ذلك الإجراء المتعسف لمنع مسيرة أو تجمع، ولكن السبب كان لمنع المعارضة من تلقي التهاني بالعيد، حيث اعتبر الفعل تحدياً للأمير!!! وعلى إثر ذلك تم الاتفاق على التحول إلى ديوانية نائب الرئيس صالح الفضالة في العديلية، وحالما بدأ الناس يتوافدون وأخذ نواب المجلس بتلقي التهاني بدأت القوات الخاصة بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على الديوانية دون إنذار، كنت شاهداً على ذلك.كان ذلك للتذكير فقط بأن ما نراه اليوم ما هو إلا نتيجة ضمن تراكمات، ولاعلاقة له بما يسمى "الأغلبية" النيابية، أو شخوصها، فهم ليسوا إلا كياناً عابراً في التاريخ السياسي، بل يتجاوزها بمراحل إلى المشكلة الرئيسة، وهي درجة اقتناع النظام بالدستور والديمقراطية، وبالطبع هذا ينسحب أيضاً على عدد غير قليل من أفراد "الأغلبية".
السلوك السياسي للنظام لا يحتاج إلى شرح، فمنذ 1965 دفع بإصدار قوانين غير دستورية، استقال على إثرها 8 نواب احتجاجاً، وشكلوا تحالفاً شعبياً واسعاً مع التجار تحت اسم نواب الشعب لخوض انتخابات 1967، وعندما شعرت الحكومة باحتمال فوزهم بقرابة 30 مقعداً قامت بتزوير الانتخابات، واستقال 8 نواب احتجاجاً على التزوير.وتحول المجلس المزور إلى عبء على الحكومة ما دفع رئيس الوزراء الشيخ جابر الأحمد حينذاك إلى إلقاء خطاب حزيران 1970 يدعو فيه المقاطعين إلى المشاركة، وفي ذلك الإطار جاءت انتخابات مجلس 1971 الذي كان من أكثر المجالس إنجازاً على الرغم من الاختلاف الحاد بين التيار الوطني حول المشاركة أو المقاطعة. وجرت انتخابات مجلس 1975، ولكن السلطة أقدمت، مرة أخرى، على حل المجلس في صيف 1976، وتعليق الدستور والسعي إلى تغييره في 1980 من خلال لجنة تنقيح الدستور المعينة، وبعد فشل المحاولة اتجهت إلى الدعوة إلى انتخابات جديدة في 1981، وأصدرت مرسوم ضرورة بتعديل الدوائر الانتخابية من 10 إلى 25 للتأثير في نتائج الانتخابات، وتقدمت بمشروعها لتنقيح الدستور، ولم تتمكن من تمريره حتى من خلال المجلس المطواع. وبعد انتخابات مجلس 1985 عادت الحكومة مرة أخرى إلى حله في 1986 وتعليق الدستور وفرض الرقابة على الصحافة، وفي تلك الحقبة الزمنية ظهرت حركة ديوانيات الاثنين التي جرى قمعها بشدة، والتي كان من ضمنها حادثة عيد الأضحي التي ذكرناها أعلاه.إن كان هناك حل للخروج من الأزمة الراهنة فلا بد أن يكون على أساس توافق الجميع على قاعدة الدستور، وينسحب ذلك أولاً وبدرجة أكبر على الحكم، فسلوكه واضح، كما ينسحب على البعض في الأغلبية الذين وجدناهم يتحينون الفرصة للقضاء على الدستور. وإلا فإن مسلسل التردي مستمر، والتراجع لن يتوقف، والاحتقان لن يخف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.