قصائده الغنائية عاطفية وحزينة (1-2)

Ad

يتميز الشاعر منصور الخرقاوي بقصائده العاطفية النابضة بإحساس حزين، وحب قديم وحنين إلى التراث، فأثرى المكتبة الغنائية الكويتية بأغنيات أصيلة وصادقة ومعبرة عن هذه الأرض الطيبة، بكل ما فيها من حب ووفاء، لحنها كبار نجوم الأغنية الكويتية وغنوها، وما زالت تأخذ حيزاً من اهتمام الباحثين والبرامج التوثيقية ومن يقدّر الأصالة.

ثمة مدرسة في الشعر العامي تتميّز بلون خاص بالشعر النبطي، ظهرت بداياتها على يد ابن لعبون، ثم عبد الله الفرج، وتوقفت بعد وفاة الشاعر فهد بورسلي وشاعر الكويت الكبير منصور الخرقاوي في 12 أغسطس 2005، بعدما حقق حضوراً على الساحة الشعرية والفنية في الكويت.

تعود أصول عائلة منصور منصور يوسف المبلغ الخرقاوي إلى قبيلة طي- شمر التي قدمت من منطقة الخرقاء فانتسب إليها «خرقاوي»، وهي مساكن طي- شمر... مسقط رأس منصور الخرقاوي «سكة عنزة» حيث كان منزل عائلته حول سوق المناخ حالياً، وكانت سكة عنزه تقع في شرق المباركية شمالاً وجنوباً في السوق في مدينة الكويت.

ولد منصور الخرقاوي في عام 1925، توفي والده وهو جنين في بطن أمه، لذلك سمي منصور على اسم والده، فتعهده جده لأمه عبد الرحمن سليمان الرباح وأصبح له والداً، وبعد وفاته كفله خاله أحمد عبدالرحمن الرباح.

كان والد منصور الخرقاوي شاعراً اشتهر في عزف الربابة، وكانت لخاله اهتمامات بالشعر العربي فلقي الطفل منصور التشجيع منه.

أدخلته والدته المدرسة في سن مبكرة، فدرس في المدرسة المباركية ومن ثم مدرسة الملا مرشد والمدرسة الأحمدية، في تلك المرحلة كان خاله أحمد عبدالرحمن الرباح يدربه على العمل في دكانه، وقد عرف عنه إجادته طب البادية وأدويتها لاطلاعه على الطب العربي آنذاك.

في السادسة عشرة من عمره بدأ منصور الخرقاوي يتعلم الشعر وترك المدرسة، فعلمته والدته الكفاح في الحياة، واتجه إلى العمل في البناء مع ابن عمه الفنان القدير سعود الراشد وابن عمته خلف، ومرت عليه سنوات قاسية.

في عام 1958 عمل في دائرة الشؤون الاجتماعية ومركز الفنون الشعبية تحديداً في لجنة جمع التراث، ثم في بيت البدر الذي تحول إلى دائرة الإرشاد والأنباء، وزارة الإعلام حالياً، وبقي إلى العام 1980 عندما أحيل إلى التقاعد.

مع الأدباء والشعراء

تأثر الشاعر منصور الخرقاوي بجدته لوالدته التي كانت تطلب منه أن يقرأ لها كتب التراث والدين وقصص عنترة بن شداد و{ألف ليلة وليلة» والمولد النبوي والقادريات والتنزيلات، فاعتاد القراءة وأصبح يتردد على المكتبة العامة حيث كان يلتقي أدباء وشعراء كويتيين وغيرهم، يستمع إليهم ويستمتع بالأحاديث الأدبية وبما يدور من مناقشات في المنتديات الثقافية، ونمت لديه رغبة في مجاراتهم، فقرأ دواوين الشعراء العرب من بينهم: عنترة بن شداد، عمر بن أبي ربيعة، المتنبي، الشريف الرضي، أبي تمام، ابن زيدون، بعد ذلك قرأ المعلقات، وكان من عادته أن يسجل ملاحظات حول ما يقرأ، فبلغ مستوى ثقافياً جيداً وبدأ يكتب القصيدة...

أول قصيدة كتبها في بداية النهضة التعليمية في الكويت (1939) عندما شمل التعليم البنات، وهي سامرية يحيي فيها الفتاة المتعلمة، مما جاء فيها:

يوم شفت الصبايا

بالمعارف بنشدون

كلهن معلمات

للرياضة يلعبون

شاقني زين الصفات

يوم عرّض لي ابهون

رافق منصور الخرقاوي الفرق الشعبية وفرقة علي بن سيف في القبلة، وأتقن أنغام السامري وأوزانه... ثم رافق شعراء شعبيين، أبرزهم: محمد فلاح الخرافي، عبد الله عبدالعزيز المحارب الدويش الذي كثرت المساجلات بينه وبين الخرقاوي، فأنشد الدويش قصيدة مخاطباً صديقه الحميم الخرقاوي وواصفاً تصاريف الزمان، يقول في مطلعها:

تجري الرسالة للعفيف المهلاّ

تجـري كما يجري نهر سلسبيلا

من ضامر مناهجه ما تفلا

الا بها مولى المثايل وكيلا

لي زفرة باقصى حشاي تجلّى

حاسوسه منها الضماير تصيلا

ردّ الخرقاوي عليه في قصيدة يقول مطلعها:

حي الذي احكم بصحف السجلا

قاف يعسر الجـاش عن در جيللا

عجـزت عن ملواه يـوم افلا

والا أشوف الرد ما قويت احيلا

مير ان قلبي عقب هذا حصلا

عندي أنا للهرج شرحاً طويلا

في الخمسينيات ارتبط منصور الخرقاوي بصداقة مع المرحوم يوس  التركيت والملا محمد حسين التركيت أمين المكتبة العامة التي كانت تغصّ كل يوم بعلية القوم من مثقفين ومفكري الكويت، فكان يتردد إليها للاستماع إلى نقاشاتهم أو إلى ما يحفظونه من الشعر النبطي بخاصة والشعر العربي بعامة.

أول أغنية وأول هدية

«يا لدانة لدانة»، أول أغنية من كلمات الشاعر منصور الخرقاوي غناها مطرب الكويت الأول عبد اللطيف الكويتي وقد سجلها في إذاعة لندن (1945)، بمرافقة عازف الكمان سامي الشوا وصالح الكويتي.. جاء في مطلعها:

الله اليوم يا خالق جميع البرايا

سخر الصاحب اللي كنت بالأمس وياه

ما سلى القلب عنه

وين أنا جوز منه

في أوائل الخمسينيات، تحديداً في بدايات بث الإذاعة الكويتية، غنى له المطرب الشعبي عبد الله حميد أغنية يقول مطلعها:

حمام ياللي على روس المباني

ذكرت لك مغرم عينه شجية

في الإذاعة الكويتية

بعد وفاة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود، زار الملك سعود بن عبد العزيز الكويت (1953 ) وكان الشاعر منصور الخرقاوي ضمن الشعراء والفنانين الذين قدموا فقرات في الإذاعة الكويتية (كانت تبث أربع ساعات يومياً) ترحيباً بالملك، مع: فهد بورسلي، محمود الكويتي، عواد سالم، عبدالله فضالة، فألقى قصيدة وصف فيها الملك بصفات الخير والأصالة والأخلاق الرفيعة.

حول هذه المناسبة قال في لقاء أجرته معه جريدة «الفجر الجديد» (1992): «لم أكن أتوقع شيئاً من جراء إلقاء تلك القصيدة لأنني لم ألقها من أجل شيء وإنما كتبتها بحسب ما جاءت به القريحة والعفوية الصادقة». إلا أن وكيل الملك في الكويت عبد العزيز النفيسي اتصل بالشاعر منصور الخرقاوي، وقدم له مبلغاً كبيراً وهو عبارة عن كيس يحتوي ريالات فضية، وكانت هذه أول هدية يتلقاها في حياته.

جولة عربية

في عام 1950 زار الشاعر منصور الخرقاوي أنسباءه في البحرين – المنامة، وفي العام 1958 زار سورية والعراق، وقصد الزبير بحثاً عن أشعار كانت تتردد هناك للشاعر محمد بن لعبون وتواشيح... وفي عام 1964 زار مصر حيث تزوج وعاد بزوجته إلى الكويت، لكنها ما لبثت أن توفيت في 14 أكتوبر 1976 وهي في الثامنة والعشرين من عمرها، وقد أنجب منها بدر ومنى وهناء.. فحزن عليها، وظلّ وفياً لها ولم يتزوج بعدها، وقد نظم قصائد في رثائها، منها قصيدة ارتجلها عند قبر زوجته بعد دفنها جاء في مطلعها:

يا قلب لا تجزع على ما تبلاك

أصبر على الأحباب لو كان خلوك

اللي تودهم ما يطيقون فرقاك

حكم المنايا قاهر ما به شكوك

بعد ذلك زار السعودية ولبنان الذي قال فيه قصيدة «بلاد الأرز» (1976) ومما جاء في مطلعها:

بلاد الأرز مدري وش دهاها

عسى يرجع لها ربي صفاها

ربوع الأنس لبنان الجميلة

بها فيروز يطربني غناها

أول قصة حب

تعبر كلمات أغنية «جودي لا تهجريني» (1959) عن أول قصة حب في حياة الشاعر الشعبي منصور الخرقاوي، كانت تجربة فاشلة سببت له صدمة أوحت إليه بكتابة هذه القصيدة القريبة إلى قلبه، قصة لم تكتمل بالزواج ولن تمحو ذكرياتها الأيام، إذ كان الحلم الوحيد للشاعر الزواج المثالي وكتابة الأغنية الكويتية...

«جودي لا تهجريني» من ألحان الفنان القدير حمد الرجيب، رائد تطوير الأغنية الكويتية وأحد أبرز عناصر التنوير في الكويت، أداها اقتداراً وتمكناً المطرب غريد الشاطئ، أحد نجوم الأغنية الكويتية في الستينيات والسبعينيات.

حققت هذه الأغنية نجاحاً جماهيرياً من خلال الإذاعة والتلفزيون وفي الحفلات العامة، وهي أبرز علامات التطور الموسيقي في الأغنية الكويتية الحديثة في مرحلة نهوضها في فترة الستينيات وبداياتها خصوصاً، وكانت نموذجاً عن الجهود التي بذلها جيل الرواد من الفنانين ومنهم الشاعر الشعبي الكبير منصور الخرقاوي... جاء في مطلعها:

جودي لا تهجريني

ولو بالطيف زوريني

صبرت وشابت أعيوني

أشوف الهم يطويني

طربتي من شجا روحي

خضبت من دم جروحي

أغنيات ناجحة

في عام 1961 سجل المطرب عبد الحميد السيد «الحبّ سباني» من ألحانه ومن كلمات الشاعر منصور الخرقاوي، وكان السيّد في بداياته فحققت له الأغنية انتشاراً، ويقول مطلعها:

الحلو سباني

لكن ما جفاني

زين المعاني

دايم على بالي

كذلك غنى السيد «حنين الموج يشجعني» من ألحانه ومن كلمات الشاعر منصور الخرقاوي الذي وصف فيها البحّار في لجة البحر لا مؤنس له غير السفينة وأدواته في القيادة والغوص، معلّقاً أمله بالله تعالى، يفور شعوره في صدره بذكريات الأهل والحنين والعودة سالماً إليهم... جاء في مطلعها:

حنين الموج يشجيني

وضوح البدر يغريني

شراع الفلك يحديها

تبارك جل مجريها

أقضي ليلتي فيها

غريب الدار يا عيني

ما بين الغوص والدانه

مع السكان و»الكانه»

في عام 1963 كتب منصور الخرقاوي أغنية «يا حزين القلب»، ولحنها الفنان القدير أحمد الزنجباري، وغنتها المجموعة الإذاعية، جاء في مطلعها:

يا حزين القلب أضناك الونين

هذي أفعال المودة والغرام

دايم العاشق يذوب من الحنين

لي تلالا البرق في جنح الظلام

ليت في وصل من الظبي الحسين

عادت العشاق في رد الـسلام

في عام 1965 قدم منصور الخرقاوي أغنية «حمام يا للي على روس المباني»، لحنها الفنان عبد الحميد السيد وغناها، وكان سبق أن غنى الفنان الشعبي عبد الله حميد هذه الكلمات في افتتاح إذاعة الكويت، ثم المطرب العراقي الكبير حضيري بوعزيز وهو خير من تأثر بالأغنية الكويتية... وقد أظهر عبد الحميد السيد في تلحين هذه القصيدة جملا موسيقية جديدة في فن السامري الشعبي، تجمع بين الأداء الجماعي والغناء الفردي.. جاء في مطلعها:

حمام ياللي على روس المباني

ذكرت لك مغرم عينه شجيه

ذكرتني جادل حبه سباني

مدعوج الأعيان مردوع الشفيه

قالوا عنه

خالد سالم محمد: تجاوب الخرقاوي مع فهد بورسلي فأخذ بطريقته وسار على منهجه وربطت بينهما صداقة متينة، كما دارت بينه وبين شعراء عصره محاورات ومناظرات شعرية جميلة، وقد أشتمل ديوان الخرقاوي على شيء منها.

أحمد مشاري العدواني: عاصر الخرقاوي كتابة الأغنية الكويتية منذ بدايتها وهو الذي كتب أكثر أغاني المرحوم سعود الراشد وهو المدافع عن الحق من خلال أبيات شعره، وهو الناقد اللاذع في هجاء كل من يتعرض له في حياته القاسية، لم يسلم أحد من لسانه إلا النخبة التي بعدت عن طريقه، إنه الشاعر منصور الخرقاوي.

كانت تربطه صداقة بالمرحوم يوسف الملا حسين التركيت والملا محمد أمين المكتبة العامة التي كانت في سوق المناخ عام 1937 وكانت الكتب قليلة في ذلك الوقت ولم يحضر إلى المكتبة إلا كبار القوم، مثل المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى الجناعي وأحمد البشر الرومي وعبداللطيف النصف وعلي الصانع وفهد العسكر. وأول قصيدة كتبها في عام 1939 ويدور معناها حول وصول بعثة التعليم من فلسطين عام 1936 وكان تعليم البنت جديد في الكويت لأنه من الصعب ان نرى المرأة تخرج لوحدها أو تلعب الكرة في المدرسة، وعمل قصيدة سامرية باللهجة الدارجة قال فيها:

يوم شفت الصابيات بالمعارف ينشدون

معلمات للرياضة يلعبون

شاقني زين الصفات يوم عرضي بيهون

وللشاعر ديوانان فيهما العديد من الاشعار والمساجلات مع كبار الشعراء في الكويت والخليج.

أ. د حمد عبدالله الهباد: «الشاعر منصور الخرقاوي شاعر حساس مرهف، وشعره يعكس مكنونه النفسي، وكيف أن الحياة علمته الاعتماد على النفس، ولعل تيتمه في صغره أثر فيه إلى حد كبير جعله يرتبط ببيئته وأهله وجيرانه. يشير الكاتب فرحان عبدالله الفرحان إلى أن شاعرنا منصور الخرقاوي انتقل إلى منطقة حولي بعد أن شاع تثمين المنازل في البيوت القديمة في الكويت، وفي الأشهر التي سبقت مغادرته زارنا في ديواننا في منطقة الفيحاء بعد أن علم بوفاة الوالدة شريفة سعد الصالح الفرحان من آل الرياح أخواله، وجاءني متندراً ومعزياً ومواسياً، قائلاً لي: ليس عندي شيء أقدمه لك إلا هذه الرسالة، وكانت قصيدة مؤثرة، ولقد احتفظت بها إلى يومنا هذا.

لا شك في أن النقل الشفاهي هو أساس المصادر التي يعتمد عليها الباحث في نقل صور التاريخ، ومن بين تلك المصادر الشفاهية القصائد التي يصور فيها الشاعر مواقف وأحداثًا لم تذكر في كتب التاريخ، وقد تميز الشاعر منصور الخرقاوي برسم واضح المعاني عن الحالة التي أعقبت تثمين المباني في دولة الكويت، ولعل تثمين المنازل القديمة في الكويت واستبدالها بمنازل أكثر حداثة، على رغم كونها طفرة مادية واجتماعية حظي بها سكان الكويت، جعل الشاعر منصور الخرقاوي يصور مدى الأثر النفسي الذي عاناه الشعب الكويتي من هذه الطفرة التي أبعدت الجيران بعضهم عن بعض، وأوجدت حالة من الوجد في التحسر على تلك البيئة الجميلة التي كانوان يعيشون فيها ويصورها شاعرنا بالأبيات التالية:

يا دار وين اللي على الحي باقين

قص الشوارع كالمنايا للأعمار

وين الرزاقة والعوازم مقيمين

لا فرق الله شمل الأجواد يا دار

أما الصورة الأخرى فهي في تصويره معاناة الإنسان الكويتي لحظة الذهاب إلى الحج حيث كانت الرحلة إلى الحج من أخطر الرحلات في حياة المسلم خارج الجزيرة العربية وداخلها وذلك لافتقاد الأمن وخطر الطريق وكثرة الأوبئة والأمراض في تلك الحقبة التاريخية، ولذا كانت هناك في أغلب البلاد الإسلامية طقوس في وداع الحجاج لانقطاع التواصل معهم بعد ذلك، فهي لحظات عاطفية جياشة ربما تعني اللقاء الأخير بين الأحباب، فكم من الحجاج مات في طريق ذهابه للحج، وكم مات منهم أثناء الحج وكم مات منهم في طريق العودة.

والخرقاوي يصف تلك المشاعر الجياشة حين عزمت والدته الحج في صيف حار مهلك، ولم يستطع مرافقتها بسبب مرضه فتجده يقول:

من لعين كلما تنشف تجم

دمعها يشذي مثل عد رزين

أمس أنا واليوم ما خذني العزم

ودي أقعد عن وداع الراحلين».