كنت ولم أزل أرى في الكتاب، والكتاب الورقي تحديداً، مصدراً أول للمعرفة. بالرغم من كل تقنيات وقفزات الكتاب الحديث، على الكمبيوتر العادي والكمبيوتر اللوحي/ الآي باد. التي تحاول جاهدة أن تجد لنفسها وجه منافسة ومقارنة مع الكتاب الورقي، إلا أن الكتاب الورقي وعبر علاقته التاريخية برحلة ومسيرة الإنسان الفكرية والثقافية والفنية، ما زال يحظى بمكانة لا يمكن منافستها. فحضوره المادي الملموس والآسر، وعلاقة القارئ به هي واحدة من الميزات التي لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها أو مقارنتها بأي من الأشكال الأخرى للكتاب الالكتروني.
كتاب الخطاط حسن المسعود، المعنون بـ(حسن المسعود، خطوط النور)، والصادر عن مهرجان أبوظبي، ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، يُعد بحق تحفة فنية عربية، لا يمكن الاستغناء عنها لأي مكتبة عربية، أو مؤسسة ثقافية أو فكرية أو فنية أو حتى مكتبة خاصة، إضافة إلى أنه كنز ثمين بالنسبة للمشتغلين بالخط العربي عامة، ولأولئك المهمومين بعلاقة الخط والتشكيل خاصة. حسن المسعود المولود عام 1944، يمكن أن يُقال عنه ودون كثير مبالغة أنه عاش حياةً معجونة بالخط العربي، وأنه طوال عمره كان ممسوساً بعظمة وروعة الخط العربي، وعازماً على أن يسير درب عمره بصحبة الخط العربي، وأن يطبع خطو يومه بخطوط عربية مبدعة تبقى ما بقي الإنسان وبقي الفن. لقد قدم مهرجان أبوظبي هدية ثمينة لمتذوق الخط العربي والفن التشكيلي، بإصداره كتاب حسن المسعود، وبحلة مُتقنة تليق بالخط وتليق بالفن العربي، وتليق بمسيرة حسن المسعود، بصفته بات يشكل علامة لافتة في حضور الخط العربي بتجلياته في متاحف وغاليريات القارة الأوروبية وعموم العالم. علماً بأن الكتاب منشور بنصفين النصف الأول باللغة العربية والنصف الآخر باللغة الإنكليزية، بما يجعل منه مرجعاً مهماً أمام الباحث والناقد والمتذوق والجمهور الأجنبي. وإذا كان الكتاب عامراً بخطوط وعبارات ولوحات الخطاط حسن المسعود بمختلف التقنيات، فإنه إلى جانب ذلك يحوي مقابلة مهمة ومطولة ومرجعية للخطاط المسعود أجرها معه "جيرار هوتون"، وتسلط الضوء وتقدم معرفة كبيرة بالفنان وبمشوار حياته وفلسفته تجاه الخط، وكيف أن علاقته بالخط كانت على الدوام غايته الأهم والأسمى في الحياة. مثلما يقدم الخطاط خمس محاضرات منفصلة له حول فهمه لفلسفة الخط العربي عبر العصور العربية الإسلامية، وفي مختلف المدن التي وصلتها الحضارة الإسلامية والمسلمون، وعلاقة الخط العربي بعالم التشكيل المعاصر، وعلى النحو التالي: حيوية الخط العربي، الخط العربي والفن التشكيلي، التكوين في الخط العربي، الفضاء في الخط العربي، الجمال في الخط العربي. وفي مجمل هذه المحاضرات يقدم الخطاط حسن المسعود عصارة تجربته الإنسانية مع الخط وعلاقته بالتشكيل، كما يقدم فهماً عصرياً لفلسفة الخط العربي، وقدرته على الزهو بنفسه، وقدرة كل حرف على أن يكون دالاً على مفهومه ونبرته وموسيقاه، ومفتاحاً لفهم يخصه. وهو في المحصلة يرى إمكانية أن يكون الخط العربي سفيراً للخطاط والفنان والفن العربي في مواجهة مختلف مدارس التشكيل العالمية، وأن الخط العربي يمتلك من الأسرار والجماليات ما يجعل منه كنزاً لمن يريد أن يخوض فيه، ويقدمه للعالم، شرط أن يتعلمه ويتقن السير في دروبه التي تمتد إلى قرابة ألف سنة. حسن المسعود، أحد العرب الذين قست عليهم أوطانهم، وشردتهم الدكتاتوريات إلى المنافي، لكنه ظل أبداً مسكوناً بهاجس الفن والعمل الإبداعي والإرادة، وقبل هذا وذاك مؤمناً بالثقافة الإنسانية التي تستوعب في ثوبها وصل كل البشر بعضهم ببعض. تحية للمسعود، وتحية مستحقة لمهرجان أبوظبي على هديته الثمينة للفن العربي.
توابل - ثقافات
حسن المسعود... خطوط النور!
17-04-2012