سقوط الصحف!
من أهم عناصر القوة التي كانت تستند إليها الصحف في السابق، عنصرا الحصرية والأسبقية. بمعنى أنها كانت تقدم مواد وأخباراً محصورة عليها فقط ولا تقدمها الصحف المنافسة، أو أنها كانت تسبق غيرها في تغطيتها للأحداث والموضوعات.لكن اليوم، ومع ثورة شبكات التواصل الاجتماعي، تحول كل فرد يمتلك هاتفاً ذكياً إلى وكالة أنباء متنقلة.
فبواسطة الهاتف الذكي، "الآيفون" أو "البلاك بيري" على سبيل المثال، صار من السهل جداً، خصوصاً في ظل الانخفاض الملحوظ لأسعار خدمات الإنترنت، لأي فرد أن يقوم بتصوير أي مشهد أو حدث أو وثيقة، بالكاميرا الثابتة أو الفيديو، وأن يرفقها بتعليق بسيط أو شرح، ويرفعها بعدئذ إلى شبكة "تويتر" أو "فيس بوك" أو المدونات أو غيرها، لتصل في غضون دقائق معدودة إلى الآلاف المؤلفة من البشر، في أي ساعة من ليل أو نهار. ولم يعد هناك حاجة إلى انتظار وقت محدد للبث أو النشر، ولم يعد هناك أي تقيد برقابة سياسية أو جغرافية أو ما شابه.هذا الواقع المعاش، الذي صار يدركه ويلمسه الجميع دون أدنى شك، ألقى بثقله الواضح على أداء الصحف، وانعكس بدوره على معدلات إقبال الناس على قراءة الصحف. وقد قمت شخصياً بإجراء استبيان سريع على عينة من مئات عدة من المشاركين منذ مدة، فأجاب قطاع كبير منهم بأن شبكات التواصل الاجتماعي صارت تغنيه تماماً عن متابعة الصحف، وأجاب قطاع كبير آخر بأن هذه الشبكات قلصت بشكل ملحوظ معدل قراءته للصحف.إذن، فلا سبيل اليوم أمام الصحف التي تريد الصمود في وجه هذه الموجة العاتية إلا أن تجد لها عناصر قوة أخرى يمكن لها أن تتميز من خلالها وتصمد، وإلا صارت، كما علق أحد الزملاء منذ أيام، لا تأتي إلا بالأخبار "البائتة" والتي تم نشرها مسبقاً في "تويتر" و"فيس بوك" والمدونات، وأشبعها الجمهور تداولاً ونقاشاً.وأتصور أن عنصر القوة الذي لايزال متاحاً للصحف، هو التميز على مستوى التحليل وفرادة الطرح والتعمق في تناول الموضوعات، وذلك استناداً إلى ما تمتلكه من خبرات ومهنية واحتراف، لا يمتلكها غالباً بطبيعة الحال، كتاب شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات.وحينها فلا ضرر أن يكون الخبر أو المعلومة قد سبق أن جرى تداولهما في "تويتر" أو "فيس بوك" أو ما أشبه، لأن الصحيفة ستأتي وتقدم الخبر والمعلومة بشكل أكثر عمقاً وموثوقية وشمولية، وسيمكن لها أن تربطها بالكثير من المتعلقات، كاللقاءات والتصريحات والصور الحصرية الدقيقة وما شابه.لا أتصور أن ما جئت به هنا يخفى على الصحف، لكنني أستغرب أن أغلبها مع ذلك لايزال يمارس طريقته النمطية القديمة، والتي لا أستبعد أبداً أنها سرعان ما ستخرجه من دائرة المنافسة، بل لعلها ستخرجه بالكلية من اللعبة!