كل عام ونحن بخير، ودماء الإخوة السوريين تغرق عيدهم بالحزن والألم والأسى... كيف نفرح وهم يتألمون، ثكلى وحزانى ودماء أطفالهم تخنق قلوبهم بالوجع؟

Ad

كيف يكون عيداً للفرح والشهداء يتساقطون تحت قصف المدافع والطائرات التي لا تفرق بين الصغير والكبير، وبين العاتي والظالم والمظلوم؟

إخواننا مكلمون، ونحن نحتفل بالعيد وقلوبنا موجوعة متألمة عليهم، وليس بيدنا أي حيلة، ولا نملك لهم إلا الدعاء بنصر الله القريب، ونتمنى أن يكون عيدنا القادم عيداً مصاحباً ومتشاركاً معهم، حتى يصبح للعيد طعم للفرح وروح للاحتفال.

لكننا سنقول لبعضنا بعضاً: كل عام ونحن بخير لأن الله منّ علينا بصيام شهر رمضان وختمه بالعيد، لذا وجب علينا الاحتفال به، لأن الله قد منحنا نعمة وجودنا ومشاركتنا فيه، وهذا بحد ذاته فضل كبير، وأنا من الذين لا يقولون عيداً بأي حال عدت يا عيد، أو هؤلاء الذين يرددون مقولة العيد لاحتفال الصغار فيه وليس للكبار منه نصيب، فبالعكس من ذلك أنا مع الذين يستمتعون ويقتنصون جمال اللحظات كلها ومعايشتها، فما أجمل أن يأتي شهر رمضان ونحن ما زلنا فيه، نتشارك مع أحبابنا وصحبتنا في مثل عمرنا صيام أيامه وقيام لياليه، وما زلنا نتقاسم كل لحظات المحبة والعبادة والطاعة مع من نحب في أيام العمر التي تمرق مثل الومض.

نعتذر من إخوتنا الذين لن يشاركوننا نعمة الاحتفال بالعيد، ونتمنى أن يعذرونا لأننا نؤدي فريضة للطاعة والشكر لمن وهبنا نعمة طاعته وأداء فريضته بهذه الاحتفالية التي هي هبة من الرحمن وجب الاحتفال بها.

فرمضان شهر مختلف عن كل شهور السنة، وله شخصية ذات حضور متفرد، فهو بالفعل يفرض علينا طابعه وعاداته التي تقلب حياتنا رأسا على عقب، ولا أقصد الصيام والقيام والعبادة، فهذه هي جوهر هذا الشهر، لكن ما أقصده هو التغير الكامل لعادات حياتنا اليومية والاجتماعية وساعات الصحو والنوم وأوقات الإنتاج والعمل، فكلها تخضع لمشيئة شهر رمضان الذي هو بالفعل يحمل كل التناقضات القادرة على نسف وتغيير عادات الناس بلمح البصر، فما بين يوم وليلة، ومنذ لحظة إعلان ظهور هلاله يدوس الناس على مكبس التغيير الجديد بكل رضا رغم صعوبة التغيير السريع والمفاجئ إلا أن الناس يتكون لديهم القبول والرضا والاقتناع تماماً بشكل هذا التغيير الصادم.

ونحن نفرح كلما حل علينا، ونحن ما زلنا من ضمن صحبته ومحبيه ومريديه الذين منّ الله عليهم بفضل صيامه، وتواجدهم فيه حتى إتمام فريضة الله التي فرضها فيه، وحتى هؤلاء الذين يغادرون الدنيا في شهر رمضان يؤقت رحيلهم فيه، ويسعدون أن جاء ميقات رحيلهم في هذا الشهر دون غيره، فهو شهر فضيل دون بقية شهور السنة، فيا له من شهر حيوي حي مليء بطاقة رحمانية عجيبة هائلة، تجعل من أيامه ولياليه أوقاتاً لها مفعول السحر المفعم بالمودة والرحمة والرضا والتواضع والطاعة والمحبة التي تغمر الجميع وتبسط شعور السعادة على كل من يصومه، وتمن بالتراحم والتذكر للقريب والبعيد وكل هؤلاء الذين ننسى تذكرهم طوال العام، يأتي رمضان ليذكرنا بهم ولنحيي تواصلنا معهم، ونسيان أو محو كامل لكل الأخطاء الصغيرة والكبيرة، وكل ما تقترفه النفوس في لحظات العنف والغضب، فرمضان هو بالفعل شهر غاسل للهموم ومنقٍ للقلوب من أضغانها، وغاسل النفوس من شرورها، وباسط الود والرحمة والتسامح، ومجلي الأرواح بنفحة روحانية هائلة تملأ الإحساس بالخفة والسلام والرضا التي يكملها الله لنا في نهايته ليكافئنا بها على حسن سلوكنا وطيب أخلاقنا وانضباط عبادتنا وطاعتنا له.

فعيد مبارك للجميع، وكل عام والجميع في خير وعساكم من عواده، وعذراً من إخواننا المجاهدين في كل مكان لاحتفالنا بعيدنا ولقولنا: كل عام ونحن بخير.