البدون والقطامي
كعادتها تظل قضية البدون مجرد قضية موسمية للاستهلاك والتكسب السياسي خاصة أثناء الانتخابات، يذهب مجلس ويأتي مجلس، وتذهب حكومة وتأتي أخرى، وتظل الكارثة والمأساة الإنسانية على حالها. أناس بلا حاضر ولا مستقبل يعيشون أوضاعاً معيشية بالغة السوء وأين؟ في أرض الخير التي امتدت أياديها البيضاء إلى آخر الدنيا.أجيال ولدت هنا ولا تعرف غير هذه الأرض موطنا تدفع ثمن تسويف ومماطلة عشرات السنين في إيجاد حل جذري لهذه المشكلة المزمنة، لا نقول إن هناك من لم يخفِ جنسيته الأصلية من أجل أن يحصل على الجنسية الكويتية ومميزاتها، لكن ما ذنب أطفالهم حتى يعاقبوا بجريرة آبائهم؟ وما ذنب البقية المستحقة (وهم الأغلبية) في هذا التسويف والمماطلة القاتلة التي جعلت من هذه القضية مشكلة مزمنة وحملاً ثقيلاً على كاهل هذا البلد المسكين؟
قلنا مراراً إن الحرمان صعب لكنه يكون أصعب عندما يكون في بلد ينعم بالخير الوفير، ويرى أطفال هذه الفئة حال نظرائهم ممن يحملون الجنسية أو حتى الأجانب الذين ينعمون بالعيش الكريم في هذه الأرض. إنه حقا لموقف صعب ومرير خاصة عندما نعرف أن العديد منهم لم تتوافر لهم فرص التعليم، وحتى من يجتهد منهم ويحصل على نسب تفوق مرتفعة يجد نفسه مستجديا لمقعد في الجامعة أو في المعاهد التطبيقية حتى يكون إضافة لهذا المجتمع. في الغرب تسعى الدولة إلى رعاية هؤلاء المتفوقين لأنها تدرك أنهم ثروة قومية، أما عندنا فيمارس عليهم الضغط من أجل دفعهم إلى الرحيل. وإذا ما تظاهرت هذه الفئة المظلومة بكل سلمية ورقي احتجاجا على مماطلة عقود في حل قضيتهم تكون الهراوات وخراطيم المياه والاعتقال التعسفي لهم بالمرصاد؛ وسط تصريحات استنكار جوفاء من سياسيين ساهموا في تعطيل حل هذه الكارثة الإنسانية، فالتأزيم المستمر وتصفية الحسابات وإنهاك البلد في أزمات لا أول لها ولا آخر لم يؤدِّ فقط إلى تعطيل البلد ومشاريعه، بل أدى أيضا إلى تأجيل حل مشكلة البدون لأنه لن يوجد حل لهذه الفئة وسط كل هذا الضجيج والغوغاء.يبقى في النهاية أن نذكر أن أحد أسباب ما يجري في البلد من ضياع وتعاسة وفقدان البركة هو الظلم الحاصل على هذه الفئة المظلومة "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ". ولذلك من مصلحة الكويت العليا حل هذه الأزمة المزمنة حلاً جذريا عادلا بأسرع وقت، لكن لا أعتقد أن ذلك سيتحقق والبلد برمته على كفّ عفريت.***رحم الله العم جاسم القطامي وأسكنه فسيح جناته، كان له فضل كبير على الحركة السياسية في الكويت، وظل ثابتا على مبادئه في الدفاع عن الحريات والديمقراطية باتزان ورقي، دون شتائم وإهانات وضحك على ذقون الناس ودغدغة لعواطفهم، كما هي حال من يسمون أنفسهم اليوم بمعارضة. وبالطبع سيكون صعبا تعويض مثل هذه الشخصية الكبيرة في هذا الزمن الذي كثر فيه الدجالون وقلّ فيه المصلحون.