قاربت الأشهر الستة على النفاد، ولم تنته الجمعية التأسيسية من وضع الدستور، ولم يحكم القضاء بدستورية تشكيلها، ولم ينته الصخب والضجيج حولها، بل على العكس يزداد يوما بعد يوم، ويبدو المشهد هزلياً، فالجميع يتحدث والكل يصرخ في كل الاتجاهات، ونفاجأ يومياً بفئة أو مجموعة ترفض مادة أو أكثر بدعوى أنها لا تحقق مطالبها، أو أن الدستور لم يذكر هذه المجموعة تحديداً (كما حدث مع اتحاد الكتاب!).

Ad

 والعجيب أن أكثر من 90% من المصريين في القرى والنجوع وبعض المدن لا يهتمون بكل هذا الصراخ، ولا يبالون بالأحاديث الإعلامية وفضائيات "التوك شو"، ولم يستطع مفكر كان أو كاتب، حزب سياسي أو تيار مدني، بل لم يستطع أحد أن يخرج هؤلاء من سلبيتهم أو أن يصل إليهم ليوضح لهم ما خفي عليهم، ويعرف رأيهم ويناقشهم، فالكل مشغول بالرفض والتهويل والصراخ والعويل.

والأعجب من ذلك وبمراجعة دستوري 1923- 1971 من خلال الشبكة العنكبوتية ومقارنته بما نشر من مسودة دستور الثورة تجد أن الاختلافات بينهما لا تتجاوز 10%، وأهمها ما يتعلق بسلطة رئيس الجمهورية ومدة ولايته، وما جاء في المسودة في مصلحة الشعب والديمقراطية خلافا للدستورين السابقين، وإذا كان الأمر كذلك ففيم كل هذا الضجيج والرفض؟

إن من يعترض ويرفض لا ينظر إلى الدستور كمواد عامة تطبق في كل وقت وعلى أي شخص، ولكنه ينظر إليه نظرة شخصية فيقوم "بشخصنة الدستور"- إن جاز التعبير- فحين يقرأ عن صلاحيات رئيس الجمهورية مثلاً وعلاقته بالأجهزة الرقابية لا ينظر إليه باعتباره حاكماً منتخباً اختاره الشعب بإرادته الحرة، ولكن يقول هل يمكن أن نعطي هذه الصلاحيات لمحمد مرسي؟

  لا... لا يمكن ومن هنا يرفض المادة ويعترض عليها، كذلك إذا كانت المادة تتحدث عن الحكومة ودورها، وما يجب أن تقوم به يعترض الرافضون، هل يمكن أن نسمح لحكومة الإخوان بذلك؟ ومن هنا يكون القرار لا يمكن أن نوافق على هذه المواد.

هذه هي الحقيقة– للأسف- فالكثير من الرافضين يقومون بـ"شخصنة الدستور" فيستبدلون كلمة الرئيس بمحمد مرسي وكلمة النظام والحكومة بالإخوان، وتناسوا أن الدستور ليس مؤقتا وليس مرهوناً بمرسي والإخوان، ولكنه دستور مصر الدائم أياً يكون الرئيس أو الحكومة إخوانية أو علمانية، فلا يمكن مناقشة الدستور والاعتراض أو الموافقة بهذه الشخصنة المقيتة اللعينة.

قليل من الهدوء والتروي والنظر بعين الصواب والخطأ وليس المصيب والمخطئ النظر إلى المنصب والمكانة لا إلى الفرد والجماعة. بهذا تستقيم الحال وننتهي من هذه الدوامة والحلقة المفرغة لنبدأ أولى خطوات الاستقرار، ونجني أولى ثمار الثورة،  ولا ننسى أن القرار في النهاية بيد الشعب كله، والحكم له وهو الطرف الفاعل ولا نريده الطرف الغافل.

***

كل التهنئة والتقدير للبابا تاوضروس الثاني على توليه منصب بابا الأقباط الأرثوذكس وكنيسة الإسكندرية وتمنيات- وتمنيات كل مسلم- له بالنجاح في خدمة الكنيسة وإعلاء قيم التسامح والمحبة وحل مشاكل الإخوة الأقباط، خاصة المزمنة منها كالأحوال الشخصية والزواج والطلاق، وكذلك العمل على الوفاق بين الكنائس الثلاث، وبالتوفيق دائما إن شاء الله.

***

أيهما أعلى سلطة الشعب ومطالبه أم المحكمة الدستورية وقرارها؟ إن جميع دساتير العالم تؤكد صراحة أن الشعب مصدر السلطات جميعها، ولكن هل قرار المحكمة الدستورية فوق رأي الشعب؟  على سبيل المثال لو حكمت المحكمة الدستورية أن تنحي مبارك وخلعه غير دستوري فهل يمكن أن يعود رغما عن إرادة الشعب؟! لماذا يحاول البعض دائما الالتفاف حول مطالب الجماهير باللجوء إلى المحكمة الدستورية؟ سؤال تصعب الإجابة عنه.