تمر المنطقة العربية حالياً بتغييرات جذرية ومنعطفات تاريخية بعضها غاية في الخطورة، وعلى وجه الخصوص تداعيات الوضع غير المستقر حتى الآن في العراق وما سيترتب على الأزمة السورية من تداعيات خطيرة، إذ إن الأزمة هناك قد تؤدي، كما يتوقع بعض المراقبين، إلى نشوب حرب أهلية من المؤكد أن نتائجها وآثارها ستطول دول الخليج قاطبة، ناهيكم بالطبع عن تبعات الربيع العربي التي ستشمل كل دول المنطقة دون استثناء بطريقة أو بأخرى.
في هذه الأجواء الإقليمية الملتهبة وغير المستقرة التي سيكون لها، من دون أدنى شك، انعكاساتها السلبية على واقعنا المحلي، فإنه من الضرورة بمكان تماسك الجبهة الداخلية التي عانت، مع كل أسف، خلال السنوات القليلة الماضية من تفكك وانقسامات فئوية وطائفية حادة، وهو الأمر الذي سيسهل عمل من يريد أن يحول بلدنا إلى ساحة للصراعات الأقليمية المدمرة.ومع الأسف أن بعض النواب المتطرفين طائفياً وعنصرياً الذين ازداد عددهم في المجلس الحالي "يعتاشون" على زيادة حدة التأجيج الفئوي والطائفي غير عابئين بما سيترتب عليها من نتائج خطيرة على أمن وطننا واستقراره، لهذا تجدهم يتبادلون الاتهامات بالعمالة الخارجية وأسوأ العبارات النابية ويركزون على أمور تفصيلية وهامشية بعضها تنقصه الدقة وبعضها ليس له أي أهمية على الاطلاق، ويساعدهم في ذلك أن مجلس الأمة أصبح يشكل النشاط السياسي الرئيسي للقوى كافة مع بروز دور وسائل الإعلام الهابط التي تبحث عن الإثارة الرخيصة والربح السريع، مستغلة في ذلك الاستقطابات الفئوية والطائفية الحادة وتدني الوعي العام وانتشار الثقافة السطحية.أضف إلى ذلك الدور السلبي للغالبية العظمي من مؤسسات المجتمع المدني التي رغم كثرة عددها نسبياً فإن دورها في توعية المجتمع لا يزال محدوداً للغاية.والمؤسف أكثر أن الحكومة التي من المفروض دستورياً أنها تهيمن على مصالح الدولة وترسم السياسات العامة الجيدة وتتخذ قرارات جرئية وحاسمة ترشّد إدارتها لشؤون الدولة والمجتمع، إلا أنها إما تلتزم الصمت فلا تحرك ساكناً وهي ترى الوطن في طريقة للتمزق والتشرذم بعد أن ازدادت بشكل غير مسبوق حدة الاصطفافات الفئوية والطائفية حتى وصلت، مع كل أسف، إلى تلاميذ رياض الأطفال، وإما أنها- أي الحكومة- تتخذ بعض القرارات المنحازة وغير المحايدة فتزيد بذلك الطين بلّة.قصارى القول إن استمرار حالة الانقسام الفئوي والطائفي الحاد لن يكون في مصلحة أمن وطننا واستقراره، خصوصاً في ظل الوضع الإقليمي المضطرب، لهذا فالمطلوب بشكل سريع لا يحتمل التأجيل هو مبادرة إصلاح سياسي جذري وشامل وقرارات جريئة ملتزمة بالدستور تعيد ثقة الناس بالدولة القوية التي تحفظ كرامتهم الإنسانية وحقوقهم، أي دولة الدستور والقانون والمؤسسات الفعلية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.فهل تعي السلطتان خطورة الوضع وأن الأساليب التقليدية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع أصبحت بالية فلم تعد مجدية؟ وهل من تحرك جاد لإصلاح الوضع السياسي قبل فوات الأوان؟
مقالات
تأجيج فئوي وطائفي...ثم ماذا؟
23-05-2012