عسى خير يا كويت
حين عرفت أني ممنوعة من دخول الكويت، وأنا في المطار أنتظر صعود الطائرة التي ستعيدني إلى مقر إقامتي في دبي، دق هاتفي... كانت صديقتي التي واعدتها أن نتعشى معاً في نفس يوم وصولي الخميس، لم أفطن إلى أن صوتها غائم بحزنه، فعاجلتها بالقول هامسة ومعتذرة عن عدم الحضور "اسمعي... لقد مُنعت من الدخول إلى الكويت، لكن أبقي الأمر سراً حتى حين"، فصرخت قائلة "سر على مين؟ الكويت كلها عرفت، لقد اتصلت بك لأنني عرفت من الناس، الكويت صغيرة".هل الكويت صغيرة أم أنها تغيرت، كما قالت افتتاحية جريدة الجريدة يوم أمس؟
الكويت ليست من تغير، بل العالم كله تغير، فما تفعله جهة أمنية مع كاتب على حدود جوازات البلاد، لن يستطيع الكاتب أن يبقيه سراً مع أنه لا يجيد إلا إفشاء الأسرار، وسينتشر في ساعته وسيعرف به القاصي والداني، وبدلاً من أن يتحفظ الأمن على كاتب، سيتحفظ الناس كلهم على جهاز الأمن نفسه. المصادر التي نشرت خبر منعي من دخول الكويت لم تنشره في الكويت الصغيرة بل طالت العالم الصغير بوسائل تواصله الجديدة وحولته إلى قضية تتوسع فيها الأسئلة.لم يسعدني أن يعتذر لي الكويتيون منذ هبطت من الطائرة حتى اليوم عما حدث، فقد كنت أنظر في وجوههم وأقول لهم: لمَ تعتذرون؟ ليس ذنبكم، وما يسوءكم يسوءنا. أنا لست من يستحق التعاطف بل الكويت، أنا لست حزينة على ما يحصل لي بل حزينة على ما يحصل للكويت. الجارة الخليجية الصغيرة التي عاشت تجربة عمرها خمسون عاماً من الديمقراطية، وتفتّح وعينا على صوت منابرها الحرة وصحفها الشاهقة بالرأي، ودستورها الحارس للحريات ودواوينها الصارخة بالجدل، ومجلس أمتها الذي يعلو صوته حتى نكاد نقول لهم "اقصروا صوتكم شيء" هل هذه هي الكويت نفسها التي تضع كاتبة خليجية تكتب عمودها الأسبوعي في جريدة كويتية في مواجهة مع جهة أمنية وتمنع دخولها، وقد كان الأجدى أن تدخلها دون جواز سفر ولا بطاقة؟! ثم يحرص المرجفون كالعادة على قطع الطريق أمام أي تعاطف قد يثيره هذا القرار فيروجون تهم التكفير والإلحاد الجاهزة لأن هذه التهم التي تثير حفيظة العامة، إنها اللعبة القديمة التي يصدقها الأميون الذين لا يقرأون ومن يقبل أن تكون حياته دائما في معية أحد يملي عليه كيف يفكر ومن يعادي، وكل ما يفعله مروجو الكراهية والتكفير أنهم يقطعون الجمل من سياقها لتشويه المعنى وقلبه مثلما تقطع الآية "لا تقربوا الصلاة" من سياقها فتبدو كأن الله ينهى عن الصلاة حين يسكتون.بعد سماعي أن قرار منعي من دخول الكويت قد أدى إلى نفاد كتبي من معرض الكتاب، حزنت بل وقرفت من هذه الإجراءات التي تصنع منا أبطالاً، وتمنيت أن أقول لهم: أرجوكم كفوا عن جعلنا أبطالاً فنحن لا نستحق هذه البطولة، ولا نريد شعبية تجعل من كتبنا حزمة من الممنوعات التي لا يقبل عليها إلا المراهقون والمتهورون فليس هدفنا التغرير بأحد بل خلق ثقافة صحية يعرف من يتفاعل معها أن يحتكم لعقله ويعرف الغث من السمين ويتصدى لمسؤولياته وخياراته، كفوا عن صنعنا أبطالاً وعن تقديم هذه الدعاية المجانية التي لو دفعنا ملايين الريالات ما حصلنا عليها، وتأكدوا أن تكميم الرأي لا يجعله غائباً بل يزيد من درجته لكن صداه المدوي يمنع سماعه بحيادية.