حالة التشنج السياسي في البلد وصلت إلى مداها، وكذلك حملة التخوين والطعن حتى الشتم أيضاً "طافحة" لكل من يخالف صاحب الصوت الأعلى المهيمن على الرأي والتوجه، بينما الأغلبية من المواطنين تريد أن تسمع صوت التعقل والإنجاز حتى لو كان همساً، لأنهم ملوا الصراخ والتصادم والتهديد، وبعدما اختبره الكويتيون من مواجهات واقتحام وحرق وإغلاق مناطق لم يعد هناك المزيد مما يهدد به البعض في مواجهة أصحاب الرأي الآخر، خاصة بعد أن ساد صوت الأحكام القضائية، وأصبحت هي المرجعية النافذة في البلد، رغم كل جلبة الشارع وصخبه.
القضية التي تشغل بال الأغلبية حالياً ليست مراسيم الضرورة، كما يبدو على السطح، بل متركزة على احتمالات إجراء تعديلات على النظام الانتخابي تحديداً، لارتباطها بالحسبة الانتخابية، وهي أحد موضوعي الصراع الدائم "الكرسي - الثروة"، لأن موضوع مراسيم الضرورة والمادة 71 من الدستور قضية تاريخية في الحياة السياسية الكويتية منذ حل مجلس الأمة 1976، وكان أحد فصولها المهمة الأزمة الحكومية – النيابية حول مراسيم الضرورة في مجلس 1992، حلت باتفاق صاغه النائب السابق حمد الجوعان (رئيس اللجنة التشريعية البرلمانية في حينه) مع المغفور له الأمير الراحل سعد العبدالله (ولي العهد ورئيس الحكومة في حينه)، وأقره البرلمان الذي كان يترأسه النائب السابق أحمد السعدون، وتم تمرير غالبية المراسيم التي صدرت أثناء حل مجلس الأمة منذ حله في 1986 حتى عودته بعد التحرير بما يشكل سابقة برلمانية يعتد بها، كما أن للتيار الوطني المدني سابقة مماثلة بالترحيب بمرسوم الضرورة الذي أصدره المغفور الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بإعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية بعد حل مجلس 1999، واعتبروه يمثل حالة ضرورة لإصلاح العملية الانتخابية وتطويرها قبل إجراء الانتخابات البرلمانية بأسابيع معدودة، لكن العقبات الفنية حالت دون إشراك المرأة في تلك الانتخابات.الواقع يشير إلى أن البلد يحتاج إلى حسم أمور مفصلية وخطيرة ضاعت في خضم اللعبة السياسية التي وصلت إلى مرحلة فوضى لا يمكن نكرانها، جعلت زخماً شعبياً مرحباً بمراسيم الضرورة لا يمكن نكرانه، في مقابل من ينتقد أن تتخذ هذه القرارات في هذا التوقيت، وفي ظل غياب البرلمان، بما يوضح حجم الانقسام في الشارع الكويتي الذي لا يمكن لأحد أن يدعي أنه يمثل الأغلبية فيه، وهي إحدى الحالات التي يعالجها الدستور بمنح سمو الأمير السلطة التقديرية للتعامل مع المستجدات، ومواجهة المشاكل التي تواجه الدولة والمجتمع.هذا هو تقديري وتوصيفي وآخرين لما يحدث في البلد، لذا فإن حالة التشنج الهستيرية التي يعيشها البعض، ولغة البيانات المتفجرة لن توصلنا إلى مكان، وعلينا أن نرضخ لسقف الدستور والقوانين، لأن كل ممارسات الساحات والشوارع لم تجد نفعاً، وعدنا جميعاً إلى رحاب القضاء وكلمته الفاصلة في المحكمة الدستورية، وبقية ساحات قضائنا المميز في القضايا التي نتجت عن معارك الشوارع، لذا علينا وخاصة الغالبية المبطلة أن تحترم أصول وقواعد اللعبة السياسية في البلد، لأنها لن تستطيع أن تفرض أمراً واقعاً خارج مؤسسات الدولة مهما فعلت، خاصة في بلد مثل الكويت بتاريخه وتركيبته ونظامه السياسي، لذلك نكرر الدعوة من خوفنا على الوطن بأن يحيد السياسيون حساباتهم الانتخابية لصالح حسابات أكبر تخص بلداً في محنة وتوتر مرضي مزمن قد يكون خطراً داهماً ومدمراً له.
أخر كلام
حيدوا حساباتكم الانتخابية!
11-10-2012