حاجة مصر إلى قائد من عيار محمد علي باشا!

نشر في 16-05-2012
آخر تحديث 16-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي مازال الفزع العظيم ينتاب معظم المراقبين للشأن المصري الآن من فوضى مصر، التي كانت في عهد مبارك عبارة عن نسائم تهب بين حين وآخر، وتطورت منذ عام وأكثر إلى عواصف شديدة، مزعجة، لمعظم المصريين في الداخل والخارج. والمصريون في الداخل والخارج لهم ما يبرر انزعاجهم، وضيقهم، وغضبهم، مما أصاب "مصرهم"، التي يحبون ويتغزلون بها ليلاً ونهاراً، في أغانيهم، وأدبياتهم، وأحاديثهم. المصريون لهم ما يبرر كل هذا، وهم يرون الاقتصاد المصري في تراجع مخيف، والشباب يقتلون كل يوم، والأمهات يبكين حسرة ولوعة على أبنائهن الشهداء، فداء للثورة. والمصريون غاضبون وساخطون على معظم التيار الديني/ السياسي، الذي يسعى إلى تكرار التجربة الإيرانية و"السندوس الإيراني" (السعي إلى الاستيلاء على السلطة)، وهي تجربة من العسير أن تتكرر - كما حدثت في 1979- لاختلاف الزمان، والمكان، والثقافة، والظروف السياسية الإقليمية، والدولية.

ثقة المصريين بـ «التيار الديني»!

والمصريون بدأوا يفقدون الثقة بالتيار الديني- وتلك كارثة ومأساة كبيرة، حيث لا بديل لهم الآن في السياسة المصرية، فالليبراليون ضعفاء تنظيمياً، وعدداً. ولم يفطنوا بعد، إلى أن قوتهم لن تكمن إلا في التحالف مع التيار الديني الصاعد، واستيعابه، والنظر والبحث في التراث الإسلامي، واستخراج ما نُطلق عليه "الليبرالية الإسلامية" التي بشَّر بها في السعودية المفكر السعودي يوسف أبا الخيل- حين شاهدوا أن التيارات الدينية، في معركة انتخابات الرئاسة المصرية، لا تقدم برامج واقعية ثابتة، بقدر ما تدعو إلى إضرابات ومسيرات، وتحرّض على سفك المزيد من الدماء، مما يتسبب في توقف الحياة المصرية، ومزيد من التدهور للاقتصاد المصري.

والمصريون بدأوا يفقدون الثقة بالتيار الديني، وتلك هي الفرصة الذهبية لليبراليين المصريين، لكي ينفذوا في الشأن السياسي، ولكن بالإتيان بالليبرالية الإسلامية المتوفرة، في الانكباب في البحث والتنقيب، وإزاحة غبار القرون عن الفكر الإسلامي النيّر، المتمثل بفكر المعتزلة، والرازي، وابن سينا، والجاحظ، والفارابي، والتوحيدي، وابن رشد، ومحمد عبده، وعلي عبدالرازق، ومصطفى عبد الرازق، وغيرهم، من شيوخ الإسلام الليبراليين، الذين أضاءوا الإنسانية بأفكار حداثية جميلة، قبل ظهور كواكب التنوير الغربي في القرنين السابع والثامن عشر.

المصريون وبلوغ «السيل الزُبى»!

تملَّك الفزعُ والخوفُ والدهشة المصريين في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد أن بدأ الإعلام المصري- والعربي من ورائه- يُظهر مزيداً من الفوضى والتقهقر في الحياة المصرية العامة، مع ظهور كثير من التناقضات الداخلية بين التيار الديني -وهو المعوّل الرئيسي عليه الآن، في السياسة المصرية- وهي تناقضات ليست من طبيعة واحدة. وقد رأينا في الفترة الأخيرة التناقضات الرئيسية بين السلفيين والأصوليين، وهم يمثلون جميعاً "التيار الديني"، وكيف أن السلفيين انشقوا عن الأصوليين انشقاقاً خطيراً، ولكن ليس لمصلحة الليبراليين. وقد بلغ الفزعُ والخوفُ والدهشةُ من هذه الفوضى المدمرة، إلى حد أن طالب بعض المصريين بتعطيل الحياة السياسية الجارية، سنة أو سنتين، إلى حين وضوح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، واتضاح الرؤية، فاقترحوا اقتراحات عدة، علماً بأن مصر -في رأينا- فيها "الخير" كما يقال، وبأنها تخضع الآن لما أطلق عليه المؤرخ والفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه في كتابه "الدين في الديمقراطية"، "انقلاب الدورة في التاريخ" والذي هو "دوري" بامتياز، فلا خشية كبيرة منه. ولكن بعض المصريين يرون تجنباً للمخاطر، والحذر من الخسائر، القيام بالتالي، كما اقترح الكاتب المصري صبحي فؤاد:

1- تأجيل انتخابات الرئاسة عامين، حتى تستقر الأمور الداخلية، ويعود الهدوء إلى الشارع، ويكون هناك وفاق وطني، وإجماع على شخص تتفق عليه الغالبية من أبناء الشعب.

2- إلغاء مجلس الشورى، وتكليف الوزراء بأعماله، كل حسب تخصصه، توفيراً لأموال الشعب. وحل مجلس الشعب، لأنه في شكله الحالي، لا يمثل كل فئات الشعب المصري، وإنما يمثل التيارات المتأسلمة، المتشددة، بالإضافة إلى أن غالبية أعضائه فازوا بالغش، وشراء الأصوات، مقابل "كام" جنيه، وبعض السلع الغذائية.

3- بدء نقاش وطني جاد حول كتابة دستور مصري جديد، يقوم على العدل والمساواة وحقوق الانسان، وعدم التفرقة أو التمييز بين المصريين، بسبب الدين أو الجنس أو الفكر أو الانتماء السياسي، أو أي سبب آخر.

4- منع التظاهرات، والإضرابات، والاحتجاجات، بكل أشكالها، وأنواعها، لمدة عامين.

5- البدء فوراً بحملات توعية عن طريق التلفزيون، والصحف، ووسائل الإعلام كافة، ودور العبادة، من أجل إعادة الهدوء الى الشارع المصري، وزيادة الإنتاج.

6- وأخيراً، إصدار تشريعات وقوانين صارمة تحدّ من الزيادة "الكارثية المجنونة" للسكان في مصر، لأنه إن لم نملك الشجاعة لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة الآن، فسيكون من سابع المستحيلات التصدي لها، في المستقبل.

طريق الرئاسة الآن صعب ووعر

من الجدير بالذكر، أن ثورة 1952 ورثت من النظام الملكي الكثير من المشاكل والمصاعب. وأن عهد السادات ورث المزيد من هذه المصاعب والمشاكل من العهد الناصري، وأن عهد مبارك شهد زيادة المصاعب والمشاكل عمّا كانت عليه في عهد السادات. ولعل أكبر المشاكل والمصاعب، تلك التي تنتظر الرئيس القادم لمصر، حيث تفاقم الفقر، وتفاقمت البطالة، وكثر الفساد المالي والسياسي، واشتد ساعد "التيار الديني" نتيجة لكل ذلك، وهو الساعد الذي يشتد في تفاقم الفقر والبطالة وكثرة الفساد وجوع العباد، في كل زمان ومكان. وأصبحت مصر- مع فارق الزمان، والظروف الإقليمية والدولية- كما كانت عليه، في مطلع القرن التاسع عشر، وحكم المماليك، ومجيء محمد علي باشا. ولو قرأنا تاريخ "الجبرتي" عن حال مصر في بداية القرن التاسع عشر، لوجدنا مصر الآن قريبة جداً من مصر في بداية القرن التاسع عشر، عند مجيء الضابط الألباني محمد علي باشا، على رأس حملة عسكرية عثمانية إلى مصر، ثم انفراده بحكم مصر، وسيطرة حكم "المماليك" على مصر وبلاد الشام، والفقر والفساد المالي والسياسي، الذي كان سائداً في تلك الفترة. وكيف استطاع محمد علي باشا محاربة "المماليك"، والحد من سلطة "التيار الديني" في ذلك الوقت، وبناء مصر الجديدة، والقيام بنهضة صناعية، وزراعية، وثقافية، وعسكرية، واقتصادية كبيرة، مما دفع عهد "الميجي" الياباني، إلى إرسال بعثة يابانية للوقوف على النهضة المصرية، وتطبيق خططها في اليابان.

حاجة مصر إلى «محمد علي باشا» الجديد!

إذن، مصر بحاجة إلى قائد فذ، من عيار محمد علي باشا، لكي يأخذ بيدها، وينقذها مما هي فيه. وكما قال الكاتب المصري صبري غنيم، إن الطريق الى رئاسة الجمهورية المصرية "مفروش بالألغام" ("المصري اليوم" 10/ 5/ 2012). والرئيس القادم، سيكون مثقلاً بملفات كثيرة، وضخمة، وعسيرة، وعلى رأسها ملف الفقر المزمن، نتيجة لعوامل كثيرة، منها الزيادة السكانية الضخمة والسريعة، ومنها الفساد المالي والسياسي، ومنها سوء مناهج التعليم، وتدهور مستوى التعليم المهني. إضافة الى ملفات كثيرة، تمسُّ الصناعة، والاقتصاد في بلد محدود الموارد الطبيعية، ويعيش على شريط مائي (الدلتا) مهدد الوجود، وبينه وبين إسرائيل معاهدة سلام هشَّة، منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وهناك من يهدد بإلغائها، ويدغدغ بهذا الهدف مشاعر الشارع الديني البسيط المحافظ، الذي يطرب لمثل هذه المواويل السياسية القاتلة، والمدمرة، لو علم بذلك!

* كاتب أردني

back to top