الجامعة العربية والنيولوك العربي
وضعت تبعات الربيع العربي والتغييرات الطارئة على النظم العربية محللي السياسة الخارجية أمام تحديات عديدة، أبرزها كيفية تفاعل جامعة الدول العربية مع "النيولوك العربي الجديد"، وفي الوقت الذي يميل البعض إلى التحليل الثلاثي الأبعاد في التحليل السياسي، أي البعد المجتمعي والتشريعي والدولي, يأتي البعض الآخر بفكرة التغيير الشامل لعمل جامعة الدول العربية. والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل رياح التغيير التي أصابت المجتمعات العربية والبيئة الاجتماعية والمؤسسات التشريعية والتفاعل بين الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى غياب دور النخب وطرح الأفكار والبدائل لصانعي القرار هو: هل الوقت مناسب لتغيير مهام الجامعة العربية؟ دعونا نستعرض بعض النقاط:
• أولا- مجال حقوق الإنسان: فالجامعة تعتبر جامعة الحكومات قبل أن نصنفها قريبة من الشعوب العربية، وميثاقها قبل صدور إعلانات الحقوق، قد خلا من أي إشارة إلى موضوع حقوق الإنسان، حتى عام 1968 أصدرت الجامعة الإعلان الخاص بحقوق الإنسان وحقوق المواطن في العالم العربي، وعام 1971 نقلت مساعي الأمم المتحدة في ذلك الشأن وطورت الوثيقة، وفي 1983 تم إعداد الميثاق العربي لحقوق الإنسان في إطار الجامعة، واليوم تعاني الجامعة غياب آلية تنفيذية واضحة؛ الأمر الذي تسبب في الفجوة بين المواثيق الإقليمية والعالمية وبين الخطط ومرحلة التنفيذ. • ثانيا- الأمن: آن الأوان لتوفير الحماية للمواطنين وتأمينهم ضد الأخطار الداخلية والخارجية معا, وتخصيص الموارد المناسبة لذلك، وفيما يخص الدول آن الأوان لتحديث نظام تسوية المنازعات القديم الذي نقل من عهد عصبة الأمم، ولم يتضمن إلا وسيلتي الوساطة والتحكيم... والقضية المطروحة اليوم هي أحقية الجامعة في التدخل لحماية الدول وتشكيل قوة طوارئ عربية توضع تحت تصرفها.• ثالثا- التخطيط الاقتصادي: آن الأوان لدراسة نظام القرارات الاقتصادية في الجامعة، وتطبيق قرارات المؤتمر الاقتصادي العربي على مستوى الدول، أما على المستوى الفردي أو الشعبي فيجب تدارس المتاعب والصعوبات التي يواجهها أصحاب المشاريع التجارية، والحرص على تطبيق "العدالة" والشفافية، والتخطيط لاستراتيجية فاعلة لحماية المجتمعات من تغلغل الفساد، ومحاربة تفشي أسلوب "العمل بلا إنتاجية"، وتعزيز برامج "الإغراء" الوظيفي الذي يهدف إلى "سحب" المتعثرين أو العاطلين عن العمل و"ضخهم" في القطاع الخاص، بالإضافة إلى الاهتمام بالشراكة والمشاريع المصاحبة للنظام الإقليمي العربي، ومنها المشروع المتوسطي الذي ابتدأ بفكرة العلاقة بين "دول الربيع العربي" دول البحر المتوسط، وأوروبا.• رابعا- التعليم وسوق العمل: وهو من أهم المؤشرات التي تؤثر وتتأثر بالحراك السياسي، فتربية النشء وإنشاء قواعد الثقافة والمعرفة من أهم الأسس التي يجب أن تضعها الجامعة بعين الاعتبار, والاهتمام بنوعية التعليم لما لها من أبعاد ثقافية واجتماعية، والاتفاق على استيعاب المناهج التربوية لعملية التغيير في العالم العربي. أما عن علاقة التعليم بسوق العمل، فمحاولات الدول العربية الوصول إلى المعادلة المتوازنة التي تجعل من التعليم عاملا مناسبا لاستيعاب الشباب بسوق العمل فما زالت متعثرة، وغالبا ما تنتهي بتفضيل الشباب العربي الهجرة، فهل ستعود الأدمغة التي هاجرت قبل الربيع العربي؟