في هذه المدينة الأوروبية الباردة يهطل المطر بغزارة ويغسل هذه الأشجار الكثيفة الوارفة، وتحت المطر رجل وامرأة يشتركان بالاحتماء من ذلك المطر الغزير بمظلة واحدة، وكل منهما يحيط خصر الآخر بذراعه بحجة البقاء تحت المظلة!

Ad

أحسست أن هذين العاشقين سرقا لحظتنا أنتِ وأنا! إذ كان من المفترض أن نكون مكانهما تلك اللحظة، وبطريقة ما قام هذان اللصان بسرقة تلك اللحظة منا، وسرقا منا أيضا تلك الضحكة التي تتزين بها شفاتهما، وتلك القبلات المتبادلة بينهما وهما يعبران الطريق، وذلك الحنان المضيء في عيونهما والذي يوزع الفائض من سناه بكرم على كل ما حولهما من مارة، وشوارع، وحوانيت وقطرات المطر، وسرقا من يدنا تلك المظلة!

لحظتهما تلك تشبهنا أنت وأنا أكثر مما تشبههما، ونستحقها أكثر مما يستحقانها.

تلك اللحظة مفصلة تماما على مقاس رغبتنا أنت وأنا، وعلى قدر احتياجنا معا.

لطالما حلمنا سويا بها... ولطالما حاولنا ترتيب جدول مواعيد الطقس لإيجاد فسحة لها، وكم قمنا برشوة المطر لتأخير موعد هطوله إلى أن نصبح معا، وحين يكون بإمكاننا أن نحتضن بعضنا تحت مظلة واحدة، كم كتبنا رسائل للغيم بماء الأماني لذات السبب.

لم تكن تلك المرأة ورجلها الوحيدين اللذين قاما بالسطو العاطفي على ما يخصنا، فغير بعيد منهما وعلى مسافة أمتار قليلة، تحديدا في مقهى صغير على الشارع يجلس رجل وامرأة على كرسيين متلاصقين، يتناولان فنجانين من القهوة، ويتبادلان الحديث، وبين الفينة والأخرى يدنو الرجل من سمع تلك المرأة، فيهمس بأذنها، تنظر المرأة إليه وهي تميل برأسها مبتعدة قليلا عنه، راسمة على شفتيها ابتسامة ساحرة تتحول إلى ضحكة على شكل شجرة أطلقت فجأة عصافيرها للفضاء، ثم تحتضن الرجل وتقبّله على وجنته، فينظر الرجل إلى العابرين من خلف الزجاج أمامهما بغرور!

هذان اللصان أيضا سرقا منا ذلك المقهى، وفناجين القهوة، والكرسيّين المتلاصقين، والحديث المتبادل بينهما، وتلك الهمسة، أما المرأة فقد سرقت منك أنت تلك الضحكة الساحرة وذلك الدلال، تلك الضحكة أعرفها جيداً، إنها بلا شك ضحكتك، نفس موسيقاها، لها نفس الأغصان ونفس عدد العصافير التي انطلقت منها، ولها أيضا نفس الشذا!

كنت على وشك الشجار معهما لارتكابهما فعلتهما البجحة تلك، أقصد سرقة ما يخصنا أنت وأنا، إلا أنني قاومت نفسي كثيراً ومنعتها من ارتكاب أية حماقات، خصوصا وأن هناك أيضا غيرهما قام بسرقة ما هو لنا، مثل ذلك الشخص المنتظر في شارع ليس بعيدا كثيرا عن ذلك المقهى، متأنقا وممسكا في يده "بوكيه" وردٍ زاهي الألوان، وكان يرقب كل دقيقة ساعة يده، ثم يلتفت ذات اليمين وذات الشمال، كان جليا لي بشكل لا يقبل اللبس أن ما يحدث هو سرقة لموعدنا معاً..."ما هذا؟! حتى موعدنا الغرامي لم ينجُ من السرقة"!! قلت في نفسي.

هل حقاً سرق العشاق أشياءنا الجميلة، ولم يبقوا لنا شيئا إذا ما التقينا!