ما قل ودل: الدستورية الكويتية تخطو خطا الدستورية الليبية

نشر في 01-07-2012
آخر تحديث 01-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام دار العدل ومحرابها

اتخذ النبي- عليه الصلاة والسلام- كما اتخذ القضاة في صدر الإسلام المسجد مكاناً يقضون فيه بين الناس، باعتبار أنه أقدس وأطهر مكان يتناسب مع قداسة وطهارة القضاء، وهو المكان الذي لا يحجب أحد عنه بما يتفق وعلنية المحاكمات، وإن العدل اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته، وإن تحقيق العدل كان مهمة الرسل والأنبياء.

وهو ما خلع على أحكام المحاكم قداسة ليست لها، فالقضاة بشر يصيبون ويخطئون، ولهذا تعددت درجات التقاضي، لتصحح كل درجة من هذه الدرجات الخطأ الذي وقعت فيه الدرجة الأولى، ويبقى الرأي العام رقيباً على الأحكام القضائية، من خلال النقد العلمي الموضوعي المبرأ من الدوافع الذاتية أو الحسابات الشخصية.

النعي ببطلان حكم الدستورية

وتنفرد المحكمة الدستورية بأنها قضاء من درجة واحدة، وأن أحكامها أحكام نهائية لا تقبل الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن، ومن هنا سلك البعض من الذين وقع عليهم الحكم الصادر من هذه المحكمة وقع الصاعقة، طريق الطعن على حكمها بالبطلان أو الانعدام، بزعم أن المستشار فيصل الراشد قد عين عضواً بالمحكمة الدستورية ولم يعين رئيسا لها، وأن المستشار إبراهيم السيف قد عين عضوا احتياطيا وليس عضواً أصليا.

وهو طعن لا تسانده الحقائق القانونية التالية:

1- إن قانون المحكمة الدستورية قد حدد الطريق الذي يتم به اختيار مستشاري هذه المحكمة، وذلك من خلال قرار يصدره المجلس الأعلى للقضاء بالاقتراع السري.

2- وإن المرسوم الصادر بتعيينهم هو تتويج لقرار المجلس الأعلى للقضاء بهذا الاختيار، لا تقدير فيه لصاحب السمو الأمير، تأكيدا لاستقلال القضاء، وقد كان تأخر صدور مرسوم تعيين بعض أعضائها موضوع مقال لي على صفحات هذه الجريدة.

3- إن الأقدمية هي الأساس في رئاسة الدوائر القضائية، سواء بالمحكمة الكلية أو محكمة الاستئناف أو محكمة النقض، وإن المراسيم الصادرة بتعيين القضاة والمستشارين في هذه المحاكم، لا تمس من قريب أو بعيد أقدمياتهم التي تؤهلهم لرئاسة الدوائر القضائية بها.

4- وإن صدور مراسيم بتعيين رؤساء محكمة النقض ومحكمة الاستئناف والمحكمة الكلية ووكلاء محكمة الاستئناف والنائب العام، يتم باعتبارها قمة الهرم في التدرج الوظيفي في هذه المحاكم، وهي درجات مالية لها مخصصاتها وبدلاتها.

5- إن البغي على حكم المحكمة الدستورية بالانعدام أو البطلان لعدم صدور مرسوم بتعيين المستشار فيصل المرشد رئيسا لها معناه وصم أحكام الدوائر القضائية بالمحكمة الكلية ومحكمة الاستئناف ومحكمة النقض بالبطلان أو الانعدام، لأن أيا من رؤساء هذه الدوائر لم يصدر مرسوم بتعيينه رئيسا لها، لأن ذلك يتم بالأقدمية المطلقة لأعضاء الدائرة، بل إنه يتم يوميا في حال غياب رئيس الدائرة لمرض ألمّ به أو عارض طارئ، حيث يقوم رئيس المحكمة بندب غيره محله لرئاسة الدائرة.

تعيين أعضاء احتياطيين بالمحكمة

ولا جدال في حلول العضو الاحتياطي بالمحكمة الدستورية محل أي عضو أصلي فيها عند غياب الأخير لأي سبب من الأسباب، فقد ساوت المادة الثانية من قانون المحكمة الدستورية بين الأعضاء الأصليين والاحتياطيين، وهم يقومون بعملهم بالمحكمة إلى جانب عملهم الأصلي بدائرة التمييز أو محكمة الاستئناف.

وإن كنت لا أجد سببا لتسمية بعض أعضاء المحكمة بالاحتياطيين، من ناحية الصياغة الفنية التشريعية التي خانها التوفيق. إذ كان يمكن أن يجري النص على النحو التالي:

تؤلف المحكمة الدستورية من سبعة مستشارين يختارهم مجلس القضاء... إلخ. وتصدر الأحكام من خمسة مستشارين.

تقدير حكم الدستورية

وبالرغم من اختلافي مع قضاء المحكمة الدستورية في الرأي الذي بنت عليه قضاءها في دراستي التي نشرت لي على صفحات "الجريدة" في عددها الصادر في 18/12 و25/12/2011، فإنه لم يتسنّ لي الاطلاع على أسباب حكمها حتى الآن لوجودي خارج البلاد، لكي يتسنى لي تقدير هذا الحكم، وإن كنت لا أملك إلا الاعتراف بشجاعتها في هذا الدرب الصعب الذي اقتحمته، عندما مدت اختصاصها إلى عمل سياسي يعتبر من أعمال السيادة، التي هي ثغرة في مبدأ المشروعية.

وقد خطت المحكمة بهذا الحكم خطا المحكمة الدستورية في ليبيا التي أصدرت بتاريخ 5 أبريل سنة 1954 حكما بإلغاء الأمر الملكي الصادر في 19 يناير سنة 1954 بحل المجلس التشريعي لولاية طرابلس، لعدم التوقيع عليه من رئيس مجلس الوزراء، وعدم عرضه على مجلس الوزراء باعتبار أن ملك ليبيا طبقا لدستورها يستخدم سلطاته بواسطة وزرائه.

وهي الأسباب ذاتها التي استندت إليها المحكمة الدستورية في الكويت لبطلان مرسوم الحل، وفقاً لما تناقلته الصحافة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top