الأندلس... تاريخ الفردوس المنسي (11)

Ad

ملك الإسبان يدخل طليطلة لاجئاً ويعود غازياً

كانت الأوضاع مأساوية في بلاد الأندلس، في وقت شن العدو الشرس هجمات قاسية قاصمة على أراضي المسلمين، وكانت أيام المسلمين تتوالى في بؤس، ويتأكد لأهالي الأندلس في كل لحظة أن حكامهم لم يوفروا لهم أمنا ولا استقرارا.

ولم يشغل ملوك الطوائف إلا الدنيا وملذات أنفسهم، فاقتتلوا في ما بينهم على الحدود المشتركة، وغفلوا عن العدو الأصلي المتربص بهم في الشمال، ما أعطى للإسبان، وقد غزتهم الروح الصليبية المقبلة من روما الكاثوليكية، الفرصة لتجميع قوتهم وحشد جيوشهم، والانقضاض على أراضي الأندلس المفككة وكان الاندفاع الإسباني مصوبا نحو واسطة عقد البلاد مدينة طليطلة.

مركز حضاري

وكانت طليطلة أحد أهم المراكز الحضارية والاقتصادية في الأندلس لتوسطها البلاد، وتعاظم دورها فترة ملوك الطوائف، حيث عرفت بالثغر الأوسط، لمتاخمة حدودها للممالك الإسبانية النصرانية، واعتبارها بذلك حاجز الدولة الإسلامية وجناحها الشمالي الأوسط ضد عدوان النصارى، وكانت رأس الحربة في أي عمل عسكري ضد الإسبان.

ويصفها الجغرافي الكبير ياقوت الحموي بأنها "مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالأندلس، وكانت قاعدة ملوك القوطيين وموضع قرارهم، وهي على شاطئ نهر تاجه، وعليه القنطرة التي يعجز الواصف عن وصفها، وقد ذكر قوم أنها مدينة دقيوناس صاحب أهل الكهف، وقالوا: وبقربها موضع يقال له جنان الورد فيه أجساد أصحاب الكهف لم تبل إلى الآن، والله أعلم، وهي من أجل المدن قدرا وأعظمها خطرا".

وحكم طليطلة في عصر دول الطوائف بنو ذي النون، فبلغت أوج ازدهارها، منذ انهيار الخلافة الأموية في قرطبة، الذين تمكنوا من تكوين واحدة من أكبر دول الطوائف فيها، وساعدهم في ذلك موقعها الاستراتيجي ووفرة مواردها، فاكتسبت مناعتها من انتصاراتها على كثير من ملوك الطوائف، إضافة إلى تفوقها الحضاري ووجود مجموعة من كبار المثقفين والعلماء الذين جاهدوا بالقلم موجة الثقافة المسيحية المقبلة من الشمال، فضلا عن أنها كانت كسائر مدن الأندلس تحتوي على مكتبات ضخمة تحوي نفيس الكتب، كما نقل إليها بعض أهالي قرطبة، بعد انهيار الخلافة الأموية، الكثير من ذخائر مكتبة الخليفة الأموي الحكم المستنصر.

لكن كل هذا، كان يخفي خلفه انهيار القوة العسكرية لإمارة ذي النون في طليطلة، فحالة الضعف البين للجميع كانت واضحة أمام العدو الإسباني الذي اشتد قلبه، وظهر طمعه، بعد أن تفنن ملوك الطوائف في الأندلس في اصطناع الخلافات والتفرقة والانشقاق والفوضى والتخاذل عن نصرة المسلمين، في حين كانت قوة إسبانيا النصرانية تغذي هذه الخلافات مستغلة عوامل الوهن والأزمات في صفوف ملوك الطوائف، لزيادة رقعتها على حساب ملوك الطوائف المنقسمين على أنفسهم، وكانت ذروة هذا التفسخ في وقت وجه الإسبان أقوى ضرباتهم إلى مدينة طليطلة، واسطة عقد بلاد الأندلس.

سياسة الاسترداد

وجاء الانهيار الأندلسي في وقت تولى الملك ألفونسو السادس حكم ليون وقشتالة (1065-1109م)، وأصبح سيد إسبانيا النصرانية، وعمل على السير قدما في سياسة الاسترداد التي وضع أسسها المتينة الملك فرناندو الأول.

وكان وصول ألفونسو السادس إلى الحكم، وعجبا للقدر، من باب طليطلة بالذات، فقد نشبت الحرب بين ألفونسو وأخيه الأكبر سانشو، الذي شتت جيوش ألفونسو وأجبره على الهرب من البلاد، ولم يجد مكانا يلجأ إليه إلا بلاط المأمون بن ذي النون في طليطلة، الذي استقبل ألفونسو أحسن استقبال وشمله برعايته، بل وفرض حماية طليطلة عليه، ضد عدوان أخيه ملك ليون الملك سانشو، وكان أخوهما الثالث غرسية لجأ إلى بلاط إشبيلية عند بني عباد.

ولم يركن ألفونسو إلى حياة الهدوء والدعة، طوال الأشهر التسعة التي قضاها بين جنبات طليطلة، بل عمل طوال فترة إقامته في طليطلة على الاطلاع على أحوال المدينة، يستطلع مناعة أسوارها ويختلط بأهلها لكشف أسرارها، يدفعه حلم السيطرة على هذه المدينة يوما ناسيا ما قدمه عاهل طليطلة من معروف جميل عندما أواه وهو شريد، وهي حقيقة يقرها المؤرخ الإسباني بيدال، إذ يقول: "كان ملك ليون المخلوع يختلط بالسكان المسلمين ويتريض في جنبات المدينة الحصينة، ويفكر من أي الأماكن وبأي نوع من أدوات الحرب يمكن اقتحامها".

وتطورت الأحداث سريعا داخل مملكة الإسبان لصالح ألفونسو السادس، فقد خاض ملك ليون وقشتالة سانشو غمار العديد من الحروب من أجل توحيد مملكة الإسبان في قبضته، حتى لقي مصرعه نتيجة مؤامرة عائلية أودت بحياته.

وجاء الخبر السعيد لـ"ألفونسو" بمقتل أخيه وعودته إلى عرش ليون، فأخبر المأمون بن ذي النون بالنبأ، وعلى الفور قرر المأمون تجهيز صديقه بالمال والخيول، وودعه طالبا منه الحفاظ على صداقته، ومعاونته إذا احتاج مساعدته ضد إخوانه من ملوك الطوائف، فقطع له ألفونسو عهده، وودعه المأمون في موكب عظيم فخم إلى حدود مملكته.

ترقب وهجوم

وما ان وحد ألفونسو مملكة ليون وقشتالة في قبضته، حتى بدأ في مراقبة تطورات الأوضاع في بلاد الأندلس، يتحين الفرصة ليهجم هجمته ويقتنص مدينة طليطلة، بعد أن علم ضعف ملوكها وخبر مكامن قوتها وضعفها، وكانت الظروف والأيام تسير إليه متهادية ليحقق حلمه، ففي سنة 467هـ/1075م توفي المأمون بن ذي النون حاكم طليطلة، وتولى الحكم خلفه حفيد له في غاية الضعف وغياب القدرة السياسية والعسكرية يسمى يحيى وتلقب بـ"القادر"، وهو للعجز أقرب.

وكان "القادر" فتى حدثا التف حوله بطانة السوء، فقتل وزراء دولته، وبدأ في إساءة السيرة ففشل في إدارة مملكة أسلافه، فطمع فيها الجميع حتى هاجمها المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس، الذي دخل طليطلة حاكما عليها، وفي تلك الأثناء هرب "القادر" إلى حليفه الإسباني ألفونسو السادس الذي هاجم طليطلة، وأعاد القادر على عرش طليطلة، معلنا في الوقت ذاته حمايته للقادر.

ومنذ هذه اللحظة أي سنة 474هـ/1081م أصبحت طليطلة تابعة فعليا لمملكة ليون، وبدأ ألفونسو يضع الخطط بعد أن اضطلع على الأوضاع الداخلية لطليطلة للمرة الثانية، واكتشف مدى ضعف البلاد في فترة حكم القادر بن ذي النون، فعمل على إرهاب ملوك الطوائف وأرغمهم جميعا، باستثناء ملك بطليوس المتوكل، على دفع الجزية له ولم يعد من منافس له، لذلك قرر مهاجمة أراضي مملكة طليطلة، يخرب الزرع ويحرق الأرض ليحرم طليطلة من مواردها ويزيد بؤس أهلها وكدر الحياة عليهم.

ووضح للجميع في الأندلس هدف ألفونسو النهائي من هذه الهجمات، لكن لم يمد أي من ملوك الطوائف يد العون لطليطلة، فقد انشغل المعتمد بن عباد أكبر ملوك الطوائف وأكثرهم قوة بمحاربة إمارة غرناطة، فضلا عن اتفاقياته مع ألفونسو التي جعلته بمثابة خادم تابع له.

استنهاض الهمم

وانشغل المقتدر بن هود بصراعه مع إمارتي برشلونة وأراجون، ولم تفلح محاولات المتوكل بن الأفطس حاكم بطليوس في استنهاض همم الرجال في الأندلس للزود عن طليطلة من مصيرها المحتوم وما يضمره لها المستقبل من ويل وثبور. وفي سنة 477هـ/1085م، قرر ألفونسو مهاجمة طليطلة، وضرب عليها الحصار طمعا في المدينة، ولم يتحرك أي من ملوك الطوائف لنجدة المدينة المحاصرة باستثناء المتوكل بن الأفطس الذي لم يكتف بالدعوات بل أرسل هذه المرة ولده الفضل على رأس جيش قوي.

لكن ألفونسو هزمه وأجبره على التراجع، ليترك أهالي طليطلة وحدهم في الميدان، يعانون آثار الحصار المشدد، وخرج وفد من علية القوم وأهل الحل والعقد لمقابلة الملك ألفونسو طلبا للصلح، عارضين زيادة في الجزية السنوية المقررة على المدينة، إلا أن ألفونسو رفض مقابلتهم وأخبرهم وزيره أنه لا مفاوضات.

ويورد ابن بسام الشنتريني، في موسوعته "الذخيرة"، رواية توضح حجم المأساة التي عاشتها الأندلس في ظل ملوك الطوائف، فعندما حاول زعماء طليطلة تأكيد أنهم في انتظار المدد من ملوك الطوائف، أخرج لهم الملك ألفونسو من خيمة مجاورة سفراء ملوك الطوائف جاءوا ليطلبوا وده ويعلنوا خضوعهم له، ما جعل زعماء طليطلة يعودوا وهم يجرون أذيال الخيبة وقد انقطع رجاءهم في أي مساعدة.

محاولات فاشلة

وحاول القادر بن ذي النون حاكم البلاد أن يفك الحصار بالاعتراف مجددا بتبعيته لألفونسو والحكم باسمه في البلاد، لكن كل هذه المحاولات فشلت أمام شدة الحصار الذي استمر تسعة أشهر، وإصرار ألفونسو على فتح المدينة، فلم يجد أهالي طليطلة مفرا من الاستسلام.

وفي غرة شهر صفر سنة 478هـ/ 25 مايو 1085م، دخل ألفونسو السادس مدينة طليطلة دخول الفاتحين، الذي كان قبل سنوات قليلة لاجئاً فيها عند المأمون بن ذي النون، وعفا عن أهلها حتى لا يعطي نموذجا سيئا لبقية المدن الأندلسية التي كان يطمع في فتحها تباعا. ورغم أن الملك ألفونسو أعطى أهالي طليطلة الامان، وتعهد بالحفاظ على حرية العقيدة لدى مسلمي المدينة، فإن الأوامر صدرت بعد شهر واحد بتحويل مسجد طليطلة إلى كنيسة، حيث استغل برناردو كبير أساقفة طليطلة خروج الملك في نزهة وأمر بتحويل المسجد إلى كنيسة فورا.

ويورد لنا المقري، صاحب كتاب "نفح الطيب"، تفاصيل تحويل المسجد قائلا: "فأمر أدفونش (النطق العربي لألفونسو) بتغيير المسجد الجامع... وحدثني من شهد طواغيته تبتدره في يوم أعمى البصائر... وليس فيه إلا الشيخ الأستاذ المغامي، آخر من صدر عنه واعتمده في ذلك اليوم ليتزود منه، وقد أطاف به مردة عفاريته، وسرعان طواغيته، وبين يديه أحد التلامذة يقرأ، فكلما قالوا له عجل، أشار هو إلى تلميذه بأن أكمل، ثم قام ما طاش ولا تهيب، فسجد به واقترب، وبكى عليه مليا وانتحب، والنصارى يعظمون شأنه، ويهابون مكانه، لم تمتد إليه يد، ولا عرض له بمكروه أحد".

ويقول ابن بسام: "قد حُدثت أن شيعة أدفونش- لعنه الله وبددها- أشاروا عليه يومئذ بلبس التاج، وزينوا له زي من سلف بالجزيرة قبل فتح المسلمين إياها من أعلاج، فقال: لا، حتى أطأ ذروة المُلك، وآخذ قرطبتهم واسطة السلك، وكان أعد لمسجدها الجامع ناقوسا تأنق في إبداعه، وتجاوز الحد في استنباطه واختراعه". واتخذ ألفونسو السادس لقبا مميزا بعد فتح طليطلة فقد تلقب بالامبراطور ذي الملتين، يعني الحاكم على أهل الديانتين المسيحية والإسلام.

رسالة سخرية

وبدأ ألفونسو بأكبر ممالك الأندلس، إشبيلية فقد تعمد إذلال المعتمد بن عباد، فأرسل إليه رسالة يطلب فيها السماح لزوجته بالوضع في جامع قرطبة وفق تعليمات القسيسين، وأثارت هذه الرسالة غضب ابن عباد، ولم يتمالك نفسه فأمر بقتل رسل الملك القشتالي وصلبهم على جدران قرطبة، ما أثار غضب ألفونسو السادس وصمم على الانتقام، وغزا إمارة إشبيلية، وضرب حصاره على مدينة إشبيلية طمعا في أخذها والقضاء على أي مقاومة إسلامية في الأندلس.

وعندما وصل ألفونسو إلى إشبيلية، وأرسل رسالة كلها سخرية إلى المعتمد بن عباد يقول فيها: "لقد ألمّ بي ذبابكم بعد أن طال مقامي قبالتكم، واشتد الحر، فهلا أتحفتني من قصرك بمروحة أروح بها عن نفسي وأبعد الذباب عن وجهي؟!"، فهم ابن عباد تلميحات ألفونسو وغرضه من الهجوم على إشبيلية فرد على رسالته قائلا: "قرأت كتابك، وأدركت خيلاءك وإعجابك، وسأبعث إليك بمراوح من الجلود المطلية، تريح منك لا تروح عليك".

وتدخل فقهاء الأندلس بشكل حاد في النقاش الدائر بين ملوك الطوائف، وأكدوا ضرورة الاستعانة بإخوانهم في الدين من أهل المغرب، وتعالت الأصوات في الأندلس تطالب بالارتفاع فوق الخلافات الشخصية، وتناسي المصالح الذاتية، والاستنجاد بالمرابطين الذين نمت قوتهم في ذلك الوقت على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وسيطروا على المغرب الأقصى وبلاد شنقيط (موريتانيا حاليا)، وأصبحوا بين ليلة وضحاها القوة الكبرى في غرب العالم الإسلامي، لذلك لم يجد ملوك الطوائف مفرا من الاستنجاد بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين.

وعلى الفور أرسل كل من ابن عباد حاكم إشبيلية، والمتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس، وعبدالله بن بلقين عاهل غرناطة، سفراءهم إلى ابن تاشفين، وكان على رأس السفارة قاضي قرطبة أبوبكر عبيدالله بن أدهم، وقاضي بطليوس أبوإسحق بن مقانا، وقاضي غرناطة أبوجعفر القليعي، ووزير المعتمد بن عباد، ابن زيدون الشاعر.

واتجه السفراء صوب عاصمة المرابطين الجديدة مراكش، وهناك كان على هؤلاء السفراء، الذين سيتحدد على اثرهم مستقبل الأندلس، أن يقنعوا عاهل المغرب العظيم بضرورة مساندة الأندلس وإقالتها من عثرتها.

انكماش الأندلس

بسقوط طليطلة بعد أن حكمها الإسلام ما يقارب أربعة قرون، انكمشت الأندلس جنوبا، وامتدت مملكة ليون وقشتالة حتى نهر التاجه، وضمت أقاليم خصبة ذات موارد اقتصادية متنوعة، فزادت قوة مملكة ليون التي تبوأت منذ هذه اللحظة زعامة الممالك الإسبانية، وغدت طليطلة عاصمة مملكة ليون وقشتالة، وكانت بمناعتها الطبيعية حاجزا طالما تحطمت عليه هجمات الإسبان.

وغدت الآن رأس حربة في قلب الأندلس المسلمة، فانقلب ميزان القوى بشدة وتكرس التفوق الإسباني على سائر ملوك الطوائف، فقد كان استيلاء ألفونسو السادس، من أهم أحداث التاريخ الإسباني في العصور الوسطى، إذ كان هذا تتويجاً للجهود المضنية، التي بذلت في حركة الاسترداد المسيحي، في القرن الحادي عشر، على حد تعبير المؤرخ الكبير بروفنسال.

وكان لسقوط طليطلة نفس الصدى الذي حدث عند سقوط هذه المدينة يوم كانت عاصمة القوط الغربيين القديمة في أيدي المسلمين، قبل ذلك بأربعمئة سنة، بحيث سرى هذا الاستيلاء في جميع أنحاء الأندلس والمغرب مسرى الألم والحسرة، وصور شاعر أندلسي مجهول عن لوعة أهل العصر بعد ضياع طليطلة قائلا:

لثكلك كيف تبتسم الثغور سرورا بعد ما سبيت ثغور

لقد قصمت ظهور حين قالوا أمير الكافرين له ظهور

طليطلة أباح الكفر منها حماها إن ذا نبأ كبير

فليس مثالها إيوان كسرى ولا منها الخورنق والسدير

محصنة محسنة بعيد تناولها ومطلبها عسير

وكانت دار إيمان وعلم معالمها التي طمست تنير

فعادت دار كفر مصطفاة قد اضطربت بأهليها الأمور

مساجدها كنائس أي قلب على هذا يقر ولا يطير

فيا أسفاه يا أسفاه حزنا يكرر ما تكررت الدهور

وأحدث سقوط طليطلة هزة معنوية عمت أقطار الأندلس، وترك أثراً عميقاً في نفوس الأندلسيين، وساد اعتقاد راسخ أن بقاء دولة الإسلام في تلك البلاد أمر مشكوك فيه، وهو ما عبر عنه صراحة الشاعر ابن العسال عندما قال:

حثوا رواحلكم أهل أندلس فما المقام بها إلا من الغلط

الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولا من الوسط

ونحن بين عدو لا يفارقنا كيف الحياة مع الحيات في سفط

وأدرك الجميع، ملوكا ورعية، أن بقاء دول الطوائف بهذا الشكل أمر لا يمكن له أن يستمر، وأن البلاد في حاجة إلى سلطة مركزية عليا تدير البلاد وتوحد الصفوف في مواجهة الزحف الإسباني، وكانت نكبة أجبرت ملوك الطوائف المتخاصمين على توحيد صفوفهم، والعمل على الخروج من الأزمة بالوحدة واجتماع الكلمة، خصوصا أن ألفونسو السادس كشف عن مطامعه في مهاجمة بقية إمارات الطوائف.

ويصف لنا ابن بسام هذه المطامع قائلا: "وعتا الطاغية أوفونش –ألفونسو- قصمه الله، لحين استقراره بطليطلة واستكبر وأخل بملوك الطوائف بالجزيرة وقصر، وأخذ يتجنى ويتعتب، وطفق يتشوق إلى انتزاع سلطانهم والفراغ من شأنهم ويتسبب، ورأى أنهم قد وقفوا دون مداه، ودخلوا بأجمعهم تحت عصاه".