خلال أكثر من سنة، كانت إدارة أوباما تطمئن العالم إلى أن سقوط الدكتاتور السوري بشار الأسد هو "مسألة وقت"، وقد حذر خبراء الشرق الأوسط في هذه الإدارة من الأمر نفسه لكن من دون تحديد ذلك الوقت، فبحسب رأيهم، كلما استمر القتال لفترة أطول، قد يخطف المجاهدون (منهم حلفاء "القاعدة") الحركة التي بدأت على شكل معارضة سلمية.

Ad

تجاهل الرئيس أوباما تلك النصيحة واستبعد تدابير كان يمكن أن تُسقط النظام بسرعة (مثل الحظر الجوي) وفضّل إهدار سنة كاملة لتطبيق دبلوماسية متهورة، لكن سرعان ما تبين أن الخبراء كانوا محقين. نتيجة جمود أوباما، برز اليوم اسم سيطارد حتماً الرئيس المقيم في البيت الأبيض في عام 2013: "جبهة النصرة".

إن الاسم الكامل لأحدث حركة إرهابية جهادية في الشرق الأوسط، كما ورد على الموقع الإلكتروني المرتبط بالقاعدة في شهر يناير الماضي، هو "جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد".

 اعتُبرت هذه الجماعة في البداية مجرد خدعة أو بدعة من ابتكار جهاز استخبارات الأسد، لكن يمكن التعرّف الآن على علمها الأسود المنتشر في أنحاء سورية ويمكن التعرف على عناصرها الملتحين على جبهة المعركة الحاسمة في مدينة حلب.

خلال الربيع الماضي، كانت "جبهة النصرة" تضم على الأرجح 50 منتسباً، وكان معظمهم ينضمون إليها في الخفاء، وقد تبنت الحركة عدداً قليلاً من الاعتداءات، أما الآن، فهي تشمل حوالي ألف مناصر وبدأت بعض الوحدات القتالية في أنحاء سورية تجاهر بانتمائها إليها، وعلى موقع يوتيوب، تُظهر الفيديوهات سكان المناطق التي استولى عليها الثوار وهم يلوّحون بعلمها ويهتفون باسمها.

تقول إليزابيث أوباغي، معدّة دراسة مهمة عن المجاهدين في سورية في معهد دراسات الحرب: "لقد تمكنوا من أخذ هوية متطرفة والحصول على أتباع من الشعب خلال حرب أهلية دموية. لقد أصبحوا يطرحون أبرز تهديد على الاستقرار في سورية على المدى الطويل".

لكنّ سياسات باراك أوباما لم تكن المسؤولة الوحيدة عن خلق هذا الوحش، ففي المقام الأول، كانت هذه الحركة وليدة نظام الأسد نفسه بعد أن عمد طوال سنوات إلى رعاية الشبكات الإرهابية في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية. خلال أكثر من عشر سنوات، سمحت الاستخبارات السورية للقاعدة وجماعات جهادية أخرى بإنشاء قواعد وشبكات لوجستية لدعم الاعتداءات على القوات الأميركية في العراق، الأمر الذي مهّد لظهور سياسيين معادين لسورية في لبنان وإسرائيل، لكن يبدو أن ذلك الوضع انقلب الآن فأصبح المتطرفون يستهدفون الأسد.

هم يقومون بذلك لأنهم لم يكونوا يوماً حلفاءه الطبيعيين (تُعتبر طائفة الأسد العلوية فرعاً من الإسلام الشيعي وهي مهرطقة بنظر المجاهدين السُّنة)، ولأنهم يرون فرصة لإعادة بناء حركة كانت مقموعة في العراق وأفغانستان.

اعتبرت أوباغي أن أولى الوحدات التي دعمت "جبهة النصرة" انبثقت من "فتح الإسلام"، عميل سابق للاستخبارات السورية كان قد أطلق معركة في عام 2007 للاستيلاء على مخيم اللاجئين الفلسطينيين بالقرب من طرابلس في لبنان.

 كتبت أوباغي: "تدرب هؤلاء الأفراد على استعمال الأسلحة وعلى استراتيجيات التمرد على يد النظام السوري وكسبوا الخبرة اللازمة لاستعمالها في العراق ولبنان. لديهم معارف أيضاً في الاستخبارات السورية وجهاز الأمن السوري".

تخصصت هذه الجماعة في شن الاعتداءات ضد المنشآت الاستخبارية، ففي 9 أكتوبر، شنّت هجوماً متطوراً يمتد على ثلاث مراحل ضد منشأة للاستخبارات الجوية خارج دمشق. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تبنت مسؤولية سلسلة من التفجيرات في حلب وقد استهدفت نادياً للضباط ومنشآت حكومية أخرى، ما أسفر عن مقتل العشرات وفق التقارير.

لا يدعم قادة الجيش السوري الحر (أبرز قوة ثورية انبثقت من حركة الاحتجاج الأصلية) المجاهدين ولا استراتيجياتهم، لكن مع تطور الحرب في مدن مثل حلب، وفّرت "جبهة النصرة" تعزيزات مهمة، وبفضل الدعم السخي من المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، أصبحت وحداتها أكثر تسلحاً من القوى العلمانية التي استنزفت جميع مواردها بسبب منع وصول إمدادات الأسلحة الأميركية بقرار من أوباما.

نتيجةً لذلك، تغيرت طبيعة المعارضة السورية. توضح أوباغي: "لم تعد المعارضة قوة ديمقراطية تحاول إسقاط نظام دكتاتوري، ولم تعد تتمتع بالأخلاق الرفيعة، بل زاد الوضع إرباكاً الآن".

إذا استمرت الحرب لفترة طويلة، فلا شك أن "جبهة النصرة" ستزداد قوة، وقد تبدأ بإنشاء معقل لها في الريف السوري حيث يمكن أن يتجمّع ناشطون من "القاعدة" من جميع أنحاء المنطقة. كذلك، قد تحاول الحركة الاستيلاء على مخزون سورية الكبير من الأسلحة الكيماوية، وقد تبدأ بالبحث عن أهداف خارج سورية، ويمكن القول إنها "مسألة وقت" قبل أن يتحقق ذلك.

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl