روى البخاري ومسلم عن أبي هُريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أَبواب النَّارِ، وسلسلت الشياطين».

Ad

وفي تفسير السبب وراء تصفيد الشياطين اختلف الفقهاء والعلماء، لكن الحافظ ابن حجر أكد نقلاً عن الحليمي: «يُحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر»، بينما قال عياض: «يحتمل أن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين».

الخلاصة أن شهر رمضان، الذي يكثر فيه الثواب والمغفرة، يُجبر الشياطين على الإقلال من اغوائهم فيصيرون كالمصفدين، أي المكبلين بالأغلال، فما العلاقة بين تصفيد الشياطين وإغلاق صالات العرض السينمائي في شهر رمضان المبارك؟

قبل سنوات طويلة كان شهر رمضان بمثابة موسم حافل للسينما المصرية تحقق فيه الأفلام إيرادات كبيرة تنافس، إن لم تزد، عن معدلات الإيرادات العالية التي تسجلها الأفلام في وقتنا الحاضر في موسمي الصيف والعيدين، لكن الحال تغيرت فجأة مع نهاية الثمانينيات التي شهدت تراجعاً كبيراً في الإقبال على دور العرض السينمائية، ما أدى إلى اتجاه ملاكها ومديريها إلى إغلاق أبوابها في الشهر الفضيل!

قيل آنذاك إن الدراما والبرامج الترفيهية التلفزيونية تسحب البساط من الأفلام السينمائية في شهر رمضان، ومع الأعوام صار المبرر غير المبني على دراسة واحدة، أو استطلاع ميداني من أي نوع، أقرب إلى الحقيقة المطلقة التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها لدحضها أو تفنيدها، ومع اقتراب الشهر الكريم أصبحت الصالات تُغلق تلقائياً من دون الحاجة إلى لافتة «مُغلق للتحسينات» التي كانت تلجأ إليها في الثمانينيات، وعلى غير توقع انساقت الصحف والمطبوعات للقرار الجائر واتجهت إلى تكريس مقاطعة السينما في الشهر الفضيل بإغلاق صفحات السينما وتعطيلها طوال شهر بأكمله!

المفارقة أن أحداً لم يربط بين ظاهرة إغلاق صالات العرض السينمائي في شهر رمضان، وتنامي التيار الديني المتشدد في تلك الفترة، كما أن أحداً لم يرصد الظاهرة من منطلق الرؤية الضيقة والمتطرفة التي تملكت البعض آنذاك، وما زالت تمثل هاجساً لدى آخرين، ممن صور لهم خيالهم المريض أن السينما تلعب ذات الدور الذي يلعبه «الشياطين»، ومن ثم ينبغي تصفيدها وتقييدها بالإغلاق، الأغلال، لمنعها أو تعجيزها عن إغواء الناس وتزيين الشهوات أمامهم!

منطق عجيب ومخز لأن وضع السينما والشياطين في بوتقة واحدة لا يجوز، والقول بإنهما مبعث الشرور والمعاصي فيه إدانة صارخة ولا تحتمل للسينما التي لا يُعقل أن يرى أحد أنها تجرح الصائم أو تخدش حياء المفطر، فليس من بين شروط الصَّوْم وآدابه، في ما نظن ونفهم، أن يمتنع الصائم عن السينما، ومن غير المقبول أن يتحول «السينمائيون إلى «مَرَدَة» ينبغي تقييدهم بالأصفاد لاتقاء شرورهم وتجنب غوايتهم!

ارتكاب الشر أو الوقوع في المعصية عادة قبيحة، لكنها أصيلة في النفس البشرية الأمارة بالسوء، ومن ثم فالمرء ليس في حاجة إلى الفرجة على السينما ليقع في المعصية أو يتجنبها، وشهر بأكمله لينجو من ارتكاب الذنوب. علينا إذا أردنا أن ننأى بأنفسنا عن الوقوع في شذوذ «التطرف» ومتاهة «الغيبيات» أن نبدأ بمراجعة أوضاع تتحول، مع الزمن والتراكم، إلى مسلمات نُصدق عليها ونصدقها من دون أن نتشكك فيها كمقدمة لرفضها. فالأمر المؤكد أن الابتعاد عن السينما ليس شرطاً للاقتراب من الله، أو ضمانة للابتعاد عن طريق الغواية والمعصية، بل ربما تكون الفرجة على السينما مقدمة للتطهر من الذنوب والتخلص من الآثام... والعودة إلى الله.