ملامح البلد غريبة، أكاد لا أعرفها مثل الكثيرين، وأحياناً تكون قبيحة ومخيفة، وأتساءل أين الخلل؟... ربما الخلل بي أنا... ربما فقدت القدرة على التواصل مع الناس والحدث، لكنني أجد أيضاً من يمر بنفس العوارض التي أعيشها... فأعود لأبحث عن الخلل؟... فأجد بعضه في عشرات المظاهر الخطيرة التي تعيشها الديرة، إنها ثقافة جديدة تعصر روح الكويت، وتدفعها لترحل عن جسدها، إنها ممارسات صبيانية تقود وطن لم يعد يثمن أحد قدره، إنها استلاب لما تبقى من ملامح وطننا بكل سبل الخداع والكذب والغش والخسة والجبن والتعصب والعنصرية... وكل المفردات التي تعبر عن خيانة وطن.
عشت عوارض الغربة وصعوبة التواصل منذ أكثر من عام، عندما استنكرت ما يحدث في ساحة الإرادة، وما استتبعه من تصرفات، فتلقيت اللوم والتحييد من الزملاء والأحباء ونظرات الشك والريبة بأنني قد أكون محسوباً على جناح ما، واستهزأ بي البعض عندما توقعت أن تكون نتائج انتخابات 2012 الأسوأ والأخطر على ما تبقى من الدولة المدنية والوحدة الوطنية وحياتنا البرلمانية والأعراف التي وضعها الآباء المؤسسون... فتحقق ما توقعته للأسف، ووجدت في عيون من لامني علامات الندم دون أن يصارحوني بذلك.وجاء مؤخراً حكم محكمة الوزراء بغلق ملف قضية التحويلات الخارجية ليؤكد أنني مازلت أملك قدرات التحليل وقراءة الأحداث السياسية الصحيحة، عندما استقرأت أن أحداث ساحة الإرادة هي مسرحية سياسية لتحالف "قبلي-ديني" ولحراك إصلاحي وهمي نتج عنه فاجعة سياسية نعيش وقائعها اليوم في التشريع والأداء السياسي، وكانت عناوينها السابقة "إلا الدستور" زيف نقضوه بعد أسابيع قليلة من إطلاقه بمقترحات لتعديلات طويلة تنسف جذوره، وتنصلوا من وعودهم، وسوفوا عندما وصلوا إلى البرلمان وضمنوا أغلبيته في إقرار قوانين النزاهة السياسية (الذمة المالية ومكافحة الفساد) التي استخدموها لتحقيق غاياتهم.لم يعد لروح الكويت التي يعرفها أهلها محل، ولم يعد للمنطق والحق والعدل مكان لدى أغلبية الكويتيين، الجميع في قوالب الطائفة والقبيلة والفئة، وفي عملية انتقامية من الآخر لم نشهدها من قبل، وكل شيء مباح فيها، الكذب والتجني والمعايير المزدوجة للعدالة والحق والتمثيل المتقن من السياسيين، وهي بالتأكيد التوصيف المطابق لحالة النزاع الأهلي الذي يؤدي غالباً للمواجهة وتفتت الدولة، الكل لا يريد أن يسمع ويعتقد أنه الفئة المنتصرة، وأصبحنا في حالة يأس ستدفع البعض إلى أفعال خطيرة نود أن يستبقها حدث كبير يوقف العبث الذي نعيشه، ونطلق عليه زوراً وبهتاناً "ديمقراطية".***الظاهرة الجويهلية كما يسميها البعض، ويحاول أن يفسرها بما يشوه المجتمع الكويتي بوصمه بالعنصرية، هو محض تجن وقصور في التحليل والفهم، فالكويت كانت دائماً ملتقى للمهاجرين الذين يندمجون فيها ويتشربون بقيمها ويسلمون بطبيعتها المتعددة ونمطها المنفتح، ولذلك لم يكن يعاني يوماً المرحوم هلال فجحان المطيري من العنصرية، عندما رحل من البادية إلى بندر الكويت، واندمج فيه وتعلم حرفه بالغوص وتجارة اللؤلؤ، وساهم في بناء الديرة عندما أنعم الله عليه بالخير، وكذلك أحمد السقاف ود. شفيق الغبرا وعشرات الأمثلة المشابهة في تاريخ وحاضر الكويت، لا أعلم لماذا يصور البعض ولأغراض غامضة عنصرية نصف المجتمع الكويتي زوراً، فكيف يكون كذلك عندما يحتضن نصف هذا المجتمع ويختار أبناء مشرف النائب السابق عبدالمحسن المدعج العازمي، وكذلك العديلية والروضة وكيفان فيصل المسلم العتيبي وعمار العجمي، الظاهرة الجويهلية بجرأتها وسلبياتها الكثيرة هي ردة فعل على من لا يريد أن يندمج في المجتمع الكويتي، ويريد أن يفرض منذ 1991 قيم وعادات جديدة عليه بالقوة، وهو ما رفضه الكويتيون بسبل سلمية منذ سنوات دون طائل، فكانت نتائجها صور التطرف التي نتجت في انتخابات 2012.
أخر كلام
ملامح البلد... والظاهرة الجويهلية
13-05-2012