تبدو الكويت على أعتاب مرحلة جديدة من التغيرات الشاملة، إذ أفرزت الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شارك فيها 40% من الناخبين رغم دعوات المقاطعة، برلماناً شبابياً وروحاً جديدة، كما أن الحكومة الجديدة خلت من نظام المحاصصة القبلية والطائفية، وراعت عدالة التمثيل الاجتماعي والنوعي من ذوي الكفاءات المؤهلة لقيادة خطط التنمية.
وهناك ارتياح كبير للتشكيل الحكومي الجديد، كما أن هناك أجواء تفاؤل كبير بمستقبل مبشر بتعاون مثمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن يتابع وسائل الإعلام الكويتي يلمس هذه الروح التفاؤلية في العديد من كتابات الصحافيين والبرامج المسموعة والمرئية. الحكومة اليوم أمام تحديات كبيرة، ولذلك تجد الجميع يقولون: لا عذر اليوم أمام الحكومة في الوفاء بتطلعات الشعب الكويتي في العبور إلى عصر جديد من الإنجازات تستعيد بها الكويت ريادتها التاريخية المعروفة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والتشريعية، فالمجلس الجديد متعاون ومنسجم ومتحمس لتحقيق وعوده للناخبين في مكافحة الفساد ومعالجة التشريعات والمساهمة في تطوير الخدمات، لا عناصر للتأزيم ولا أجواء للتهريب والتهديد والتطاول، ولا أساليب للصراخ والاستجوابات المتعسفة، فلا عذر للحكومة إذا تقاعست. الكويتيون يرون أن أمام الحكومة الحالية فرصة تاريخية لمواجهة تحديات التنمية، والدفع بمسيرة الاقتصاد الكويتي وتحريك عجلة البناء والتنمية، والارتقاء بالخدمات، فلا معوقات أمامها ولا سلاح لاستجواب الوزراء بدون مسوغ. وقد عبر رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك عن هذه المعاني بتأكيده سعي الحكومة إلى الانتقال بالكويت إلى مرحلة جديدة يسودها الود والوئام بين مختلف فئات المجتمع، وإحداث نقلة نوعية في جميع مجالات العمل والتنمية في سبيل نهضة الوطن وإعلاء شأنه.الحكومة الكويتية مقبلة على مرحلة جديدة يسودها الاستقرار السياسي، وهو الشرط الأساسي لأي بناء وتنمية، وقد طويت صحفة التأزيم وبدأت صفحة البناء والإنجاز، وقد استعاد الشعب الكويتي مجلسه المختطف، والرهانات عليه كبيرة في العبور والتجاوز وإعلاء صوت العقل والحوار الراقي، واستئناف حياة برلمانية تتناسب وعراقة الديمقراطية الكويتية ومكانة الكويت الدولية. وقد دشن سمو أمير الكويت في افتتاحه دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الأمة هذه المرحلة الجديدة بخطابه الهام، إذ استقبل سموه بتصفيق حار وترحيب هائل من النواب عبرت عنه الصحف الكويتية بـ"عاصفة غير مسبوقة من الترحيب بسموه". فقد قاد سموه سفينة الديمقراطية الكويتية بحكمة وحنكة وسط أجواء مضطربة إلى بر الأمان، وعبر سموه عن إيمانه الصادق بالنهج الديمقراطي والتزامه الراسخ بالدستور، وقال "الشعب قال كلمته بإرادة حرة في مناخ ديمقراطي عامر بالحرية والنزاهة بشهادة الجميع".وكان من أجمل ما قاله سموه معبراً عن نفسية أريحية عالية "ربيع الكويت دائم، ونحن أمام صحفة جديدة تستوجب تجاوز عثرات الماضي، وليس بين أهل الكويت غالب أو مغلوب إذا انتصرت الكويت". إنه أبو الجميع وليس من خُلق الأب الكبير والقائد العظيم الزهو بالانتصار ولا التشفي بالانتقام. بعد انتهاء مراسيم الجلسة انتقل المجلس لانتخابات مكتب المجلس في أجواء ودية، وفاز النائب علي الراشد برئاسة المجلس بـ33 صوتاً مقابل 26 صوتاً لمنافسه النائب د.علي العمير، ولكن انظر إلى السلوك الراقي للأعضاء. ولندع الكاتبة إقبال أحمد تحدثنا عن جلسة الافتتاح في مقالها الرائع والمؤثر "كبير يا العمير" لتقول "بغض النظر إذا أنجز هذا المجلس أو لم ينجز، إذا استمر أو لم يستمر، فنحن تكفينا جلسة الافتتاح التي أعادت لنا أخلاقيات المجلس ومجالس الكويت الأصيلة، الكلمات الرائعة التي هنأ بها النائب الخلوق علي العمير زميله علي الراشد بعد فوزه، والوجه السمح والابتسامة الصادقة من قبل محب للوطن، قدمت لنا كتاباً حول أخلاقيات التعاون بين أعضاء المجلس كيف يهنئ أحدهم الآخر إذا ما فاز عليه، بعد أن كدنا ننسى هذا النفس سنوات طويلة". ويضيف الكاتب سعود السمكة "لقد كانت ابتسامة العمير فور ظهور النتيجة أكثر من صادقة، وتعبر عن أن هذا الرجل يملك زاداً وفيراً من الرقي، أحمد الله تعالى كثيراً، لقد طويت صفحة الحقد والشخصانية التي سادت المجالس مؤخراً، وحلت محلها روح المحبة المفعمة بالإحساس بالمسؤولية". أما الكاتب قيس الأسطى فقال عن كلمات العمير "يجب أن تسطر بنور، فهي كلمات خرجت من إنسان صادق ومسؤول يستحق كل احترام، وهذا ما عبر عنه الجميع". ونضيف هنا: بأنه كان لافتاً أيضاً ومعبراً عن معاني الوحدة الوطنية الرائعة، أنه بعد فوز النائب مبارك الخرينج بمنصب نائب الرئيس بـ39 صوتاً مقابل 24 صوتاً للنائب عدنان عبدالصمد، سارع الأخير والإخوة الشيعة إلى تهنئة الخرينج، رغم أنهم يشغلون 17 مقعداً، وكان بإمكانهم أن يتكتلوا و"يتكتكوا" لفوز عبدالصمد، لكنهم أبوا وآثروا تغليب روح الوطنية الصادقة البعيدة عن الأهواء المذهبية، وهذا ينسف كل ما أشيع من أراجيف وأوهام حول ارتفاع عدد نواب الشيعة. هؤلاء المتوجسون لا يعرفون حقيقة مشاعر الشيعة وولائهم الصادق لأوطانهم، وهم أبعد الناس عن فهم الإخوة الشيعة لقضايا البلد، كما يقول سعود السمكة الذي يشهد شهادة صادقة وموضوعية لهم فيقول "الإخوة الشيعة الذين تواتروا على المجلس نواباً منذ بداية العهد الدستوري حتى اليوم، هم الأكثر انضباطاً في النظام، والأكثر احتراماً للوقت، والأكثر إيماناً بأهمية تطبيق القوانين، إذ لم نسمع على مدى 50 عاماً، وهذه شهادة مؤتمنون عليها كمراقبين، أن هناك نائباً واحداً من الإخوة الشيعة قد اشتهر كنائب خدمات، ولم نسمع عن أي نائب منهم أنه لم يلتزم بلائحة المجلس والدستور من حيث حضور الجلسات واللجان". يكفينا هذا المشهد البرلماني الرائع للإخوة الشيعة للرد على المرجفين في المدينة. الآن ماذا عن المعارضة؟! من حق المعارضة أن تعبر عن رأيها في إطار القانون والنظام العام، وعلى الآخرين احترام رأيهم وعدم التشكيك في دوافعهم الوطنية، من حقهم أن يستمروا في حراكهم السلمي الرافض، وسمو الأمير عبر عن إيمانه بحرية التعبير واتساع صدره لكل رأي مخالف أو نقد إيجابي يستهدف الإصلاح على أن يكون في إطار القواعد والشروط القانونية. كما أكد أن جميع الكويتيين أبناؤه مهما تباينت اجتهاداتهم، وأنه لا يحمل لهم سوى الود والمحبة والتقدير، وأنه على مسافة واحدة منهم، مؤكداً ثقته الكاملة بأن الجميع حريص على مصلحة الكويت، وأيضاً أكد رئيس الحكومة حق المعارضة في حرية التعبير، واعتبرها دليل حيوية المجتمع الكويتي ما دامت ملتزمة بالأطر القانونية، وقال في جلسة الافتتاح "بمعزل عن الأحداث المؤسفة، فإننا نؤمن بإخلاص كل الكويتيين لهذا الوطن". ولا يمكن تصور ديمقراطية من غير معارضة وموالاة، والديمقراطية الكويتية تستوعب كل ذلك، لكن ما هو غير مفهوم لدى مراقب خارجي مثلي، أن تعمد المعارضة إلى تنظيم مسيرات وتجمعات ليلية لشباب ومراهقين وسط مناطق سكنية تثير شكاوى الأهالي من إزعاج ومضايقات وتعديات! لماذا الزج بهؤلاء في خلافات سياسية حول نظام الانتخاب؟! لماذا استدراج الأمن للتحرش بهم؟! يقولون: المجلس الحالي ساقط وغير شرعي ويطالبون بسحب المرسوم، حسناً: ماذا عليهم لو انتظروا حكم المحكمة الدستورية في طعون عدم دستورية مرسوم الصوت الواحد، وقد وصلت إلى 64 طعناً؟! أليس ذلك أهدى وأقوم سبيلاً؟!* كاتب قطري
مقالات
الكويت... نحو تصحيح المسار الديمقراطي
24-12-2012