القطامي... قلب أمة لم يغادر
إلى الأستاذة شيخة الحميضي القطامي "أم محمد" المحترمة،وإلى عائلة الفقيد المحترمة،
وإلى الأخ الدكتور خيرالدين حسيب المحترم، رئيس مجلس الأمناء في مركز دراسات الوحدة العربية،وإلى الأخوات والإخوة في المؤتمر القومي العربي المحترمين،وإلى الأخوات والإخوة في المنظمة العربية لحقوق الإنسان المحترمين،وإلى جميع أصدقاء ورفاق وزملاء ومحبي الراحل جاسم القطامي المحترمين،تحية واحتراماً وعزاءً حاراً لفقدان أحد الأعمدة الوطنية والعروبية في الكويت والأمة العربية، فقد خسرت ساحة النضال أحد فرسانها الذي لا تلين له قناة، امتاز بالصلابة والمبدئية والتواضع الجم والحس الإنساني المرهف.قبل أن أتعرف على الراحل العم جاسم القطامي، كنت أتابع باهتمام نشاطاته ومواقفه المتميّزة، وعندما اقتربت منه ازدادت قناعاتي بصدق توجهاته ونبل شخصيته وسماحة روحه. وقد تعززت علاقتي به في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، لاسيما بعد غزو القوات العراقية للكويت في 2 أغسطس 1990، ورغم ألمه الشديد وحزنه الكبير وجرحه النازف، فإنه لم يفقد بوصلته ولم يغادر ظلّه، وظلّ وفياً لقيمه الوطنية والعروبية العليا ولم تهتز قناعاته مثلما حدث للكثيرين.وبقدر حرصه على إدانة العدوان العراقي ورغبته في التخلص منه بأسرع وقت واستعادة الكويت لأوضاعها الطبيعية، فإنه لم ينسَ معاناة الشعب العراقي وعذاباته الطويلة، وما كان يتعرض له من قمع وحصار دولي جائر ونظام عقوبات امتد ليصل إلى طحن عظام العراقيين، وتحطيم كراماتهم، وكان يدرك أن ذلك سيكون مقدمة لتدمير العراق، وبالفعل حصل ذلك بعد احتلاله.أتذكر في عام 1999 حين كنا نحضر ندوة وورشة عمل إعلامية حقوقية نظمها اتحاد الصحافيين العرب الذي كان أمينه العام الراحل صلاح الدين حافظ مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي كان أمينها العام الأستاذ محمد فائق أطال الله في عمره، والتي كان الفقيد يرأسها آنذاك، حيث بكى حينما ذكر أطفال العراق الذين كانوا يموتون بسبب الحصار، ولم يستطع أن يكمل كلمته بسبب انفعاله وتأثره العاطفي، فما كان من زميله الراحل ناصر العبدالعال إلا أن بادر وأخذ الكلمة من يديه وأكمل قراءتها، يومها ضجّت الصحافة، فالكويتي الضحية يبكي أطفال العراق الضحايا، وكان ذلك المقطع في حد ذاته رسالة إخوة عربية صادقة من رجل مكافح يحمل في قلبه الكبير همّ الكويت والعراق معاً، وهمّ الأمة العربية جمعاء.وقد سعى الراحل جاسم القطامي في التسعينيات كلها ولغاية استفحال المرض عليه في نهاية العقد الأول ما بعد الألفية الثانية إلى إقامة جسور صداقة ومحبة بين العراقيين والكويتيين، وكان يسعى مع العديد من الشخصيات العراقية والكويتية البارزة لتأسيس الجمعية الكويتية للتآخي مع الشعب العراقي حتى أعلن عنها في فبراير 2003 في جمعية الخريجين. ووجه أكثر من دعوة لزيارة الكويت بهدف تجسير الفجوة، خصوصاً في أوساط المثقفين من البلدين، وكانت معظم زياراته إلى لندن بمنزلة مناسبات في حد ذاتها، حيث يجتمع العديد من المثقفين العرب حوله، لاسيما من العراقيين والكويتيين.كان الراحل جاسم القطامي يميل إلى التسامح، وحاول أن يجسّده في حياته العملية ومواقفه السياسية متجاوزاً ما حصل للكويت، نابذاً أي فكر يقوم على الكراهية والأحقاد والثأر.كان جاسم القطامي شجاعاً... وكل شجاع كريم بأخلاقه وسلوكه مثلما كان عصامياً عمل في مجالات مختلفة، وكلها شهدت له بالنزاهة والخلق القويم.أعزيكم من القلب بفقدانه... وأتمنى لكم صبراً جميلاً وحياة خالية من المكاره والأحزان. أصافحكم.* باحث ومفكر عربي