ماذا بعد؟... هل سنبقى في الكويت بلداً ومجتمعاً على صفيح ساخن؟ عيون فضوليينا متسمرة على الأجهزة الإلكترونية تنتظر كلمة على وسائل التواصل الاجتماعي العبثية تسب أو تتجاوز على أحد مكونات مجتمعنا من القبائل الكريمة أو الطوائف العزيزة أو أي فئة غالية أخرى، لنقيم البلد ولا نقعده رداً على جبان مختبئ في أي مكان في العالم ويريد أن يشغلنا في حديث وأفعال الكراهية، وهل أضحى حال مجتمعنا بهذه الهشاشة في العلاقات في ما بينه وأصبحنا متربصين بعضنا ببعض لكي تحولنا كلمات تافهة إلى صفوف متواجهة ومستنفرة بشكل دائم؟ لاشك أن خطاب التعبئة الذي استخدمه السياسيون الانتهازيون منذ سنوات دون مراعاة للوحدة الوطنية وسلامة روابط المجتمع هو العامل الأبرز الذي أوصلنا الى هذه الحالة، في ممارسة مبتذلة ورديئة انجرت الأغلبية خلفها، بالاضافة كذلك الى مسؤولية المؤسسات الوطنية التربوية والإرشادية، ولكن تبقى الوسائل الإلكترونية هي الأداة الأخطر في هذه الممارسات التي زادتها اشتعالاً وانتشاراً في الآونة الأخيرة، فدخول الفيسبوك والتويتر الى مجتمعاتنا غير المحصنة من خطاب الكراهية جعلها قنابل تتفجر بين أيدي شبابنا وحتى شيابنا، وهو الأمر المختلف عما يحدث في العالم الأول (الصناعي-الإلكتروني) الذي صنعها في ظل تشريعات تمنع استخدام أي وسيلة للنشر والاتصال في تأجيج النزعات العرقية والطائفية أو التجاوز على مكونات مجتمعاتها.  ورغم ما تم تداوله عن أثر التويتر والفيسبوك السياسي وخاصة في حملة الرئيس الأميركي باراك اوباما الانتخابية في عام 2008، فإن التقارير والدراسات الموثوقة أثبتت أنها معلومات مبالغ فيها، وتم ترويجها لأغراض دعائية، إذ إن وسائل الإعلام المحترمة وكتابها وصحافييها بالإضافة الى البرامج التلفزيونية هم من يصنعون الرأي العام ويوجهونه في الديمقراطيات العريقة، ولم تسلبها وسائل التواصل الاجتماعي موقعها، وذلك لصعوبة أن يقنع شخص ما في أوروبا وأميركا باتخاذ قرار أو موقف عبر حساب في وسيلة تواصل إلكتروني ينشئه شخص ما خلال ثوان على التويتر ويعلق ويحلل فيه الأحداث السياسية والاقتصادية مقابل محترف في صحيفة أو محطة تلفزيونية مهنية، كما ان الادعاءات حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في ثورات مصر وليبيا وتونس مشكوك فيها بشدة كون معظم الناشطين على تلك الوسائل كانوا من الحركات الليبرالية واليسارية، بينما من وصل إلى الحكم بعد نجاح تلك الثورات هم الإسلاميون، كما أن أكبر ثورات التغيير المعاصرة التي حدثت في معسكر القوى العظمى للاتحاد السوفياتي ودول شرق أوروبا حدثت في نهاية  ثمانينيات القرن الماضي دون وجود التويتر والفيسبوك. الغريب أن الإحصاءات تبين أن الشعب الياباني الأكثر تعاملاً مع التكنولوجيا الرقمية تصنيعاً واستخداماً هو من أقل الشعوب استخداما للفيسبوك، وهو أمر مفهوم لأنه شعب عملي ولديه الأهم الذي يشغله، بينما لدينا في العالم العربي تخمة واستهلاك سلبي زائد لوسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني المليئة بالمشاحنات وتوافه الأمور والتعليقات السطحية على قضايا شأن عام كبيرة ومؤثرة، والأخطر أننا نقلنا لهذه الوسائل العصرية الإلكترونية أمراض مجتمعاتنا من التشدد والتناحر العرقي والطائفي دون أن يكون لدينا قوانين تحمينا من خطاب الكراهية والتحريض على العنف ونبذ الآخر كما هو موجود لدى من أنتج وسائل التواصل الإلكترونية، وهو ما يستدعي أن نفكر بجدية في تقنين هذه الوسائل التي تحولت في مجتمعاتنا الى قنابل تهدد السلم الأهلي والأمن... ولا يجوز بعد الأحداث التي شهدناها للبعض هنا أن يذكرنا بحرية الرأي ويزايد بها لأن الحريات تحفظها وتصونها التشريعات التي تؤمن الوطن ولا تجعله نهبا للمخربين والموتورين والسفهاء الأنانيين من السياسيين الذين على استعداد لحرق وطن من أجل كرسي حتى ولو كان على أنقاضه!
Ad