يعكس كتاب «المصريون بين التكيف والثورة» فكرته العامة على أوضاع المصريين قبل ثورة يناير وما بعدها، إذ يتناول الباحث منظومة القيم التاريخية لديهم ويرصد أسباب نشأتها، متحدثاً عن فلسفة «التكيف» كعقيدة اجتماعية تاريخية، أجبرت الظروف غالبية البسطاء والمقهورين على الانضواء تحت لوائها.

Ad

 يتحدث الكاتب عن «أصحاب القيم الإنسانية الأعلى» أو «الثوار» الذين كانوا يرفضون الخضوع للحاكم سواء المحتل أو المستبد عبر الزمان، ويتمردون على منظومة قيم التكيف القاهرة، حيث يتعرضون للاضطهاد والحرمان من عملية «الدمج والتسكين» الاجتماعي في بنية المجتمع، على عكس من يرضى ويتكيف ويحظى بالتسكين ويجد مكاناً له في الدولة، التي يسيطر عليها الجهاز الإداري والأمني التابع للمحتل المستبد منذ فجر التاريخ. ولا يحاول المؤلف الانتصار لفكرة أيديولوجية مسبقة ما على حساب أخرى، فلا يعطي هؤلاء «الثوار» بعداً قومياً عربياً، أو اقتصادياً طبقياً، أو يربطه بتوجه ديني بعينه ينتصر لمرحلة تاريخية على حساب أخرى، هو يراه طبيعة إنسانية فطرية تقدم ثواراً يؤمنون بقيم جماعية هي: «القيم الإنسانية الأعلى»، ويدخلون في صراع لأجل العدالة والمساواة والحرية وإتاحة الفرص للجميع.

يشير الباحث إلى أن المصريين لا يعملون عادة إلا من خلال نموذج فرد أو مجموعة، يقوم بالدعوة إلى التغيير والمقاومة ويكون رمزاً لهم، وعند حدوث ثورة شعبية عامة يكونون أقرب إلى تصديق مجموعة المؤمنين الذين رأوهم يعملون أمامهم دائماً بإيمان ثابت وبيقين في النصر لا يتزعزع، وليست لديهم أهداف شخصية أو أطماع يسعون إلى تحقيقها. ويوضح الباحث أن وجود النموذج الإنساني التحرري يبدأ في تشكيل معيار جديد وهدف يجذب المؤمنين الذين كانوا في حالة من التكيف والتردد وغياب القدوة والطريق.

محرك أساسي

يرفض الباحث التفسيرات التي تتحدث عن دافع الفقر والحرمان الاجتماعي كمحرك أساسي لثوار 25 يناير، ويؤكد على أن الثورة صنعتها «نخبة قيمية»، أو تجمع لـ «المؤمنين بالقيم الإنسانية الأعلى» يتطلع إلى نمط حياة أرقى ومنظومة قيم تتمرد على منظومة «قيم التكيف» التاريخية عند المصريين، ويرى أن هذه النخبة بدأت مع الحركة الطلابية المصرية التي خرجت لدعم الانتفاضة المصرية عام 2000، ولم تكن نخبة مسيسة منتظمة في الأطر السياسية المصرية التقليدية، فأدى تراكم آليات عمل هذه الحركة الطلابية المستقلة في غالبها، إلى أن انفصلت شيئاً فشيئاً وكونت تنظيماتها الاجتماعية المستقلة، التي أدت لثورة 25 يناير التي أيدها وتواصل معها «مؤمنون بالقيم الإنسانية الأعلى» من مختلف فئات الشعب المصري، وتعاطفت معها غالبية الشعب انتظاراً لما قد تأتي به من منافع ومكتسبات اجتماعية.

ويرى الباحث أن الثورة المصرية لم تستقر ولم تنجح بعد، وأن الصراع مازال قائما على أشده بين منظومة «قيم التكيف» القديمة، ومنظومة «القيم الإنسانية الأعلى» الجديدة، ويرى أن «النخبة القيمية» للثورة المصرية مازالت في مرحلة اكتساب الخبرة السياسية، ولكنه يحذر من لحظة وصولها لليقين السياسي بعد فرز المشهد الموجود في الواقع، كما يتحدث عن موجة ثورية تمثل تكرارا للحظة «التمرد الكبرى» لم تأت بعد.

وقسم الباحث مسيرة الثورة إلى ست مراحل هي: سقوط الرأس أو الرمز الفاسد، محاولة تغيير الرأس لمنظومة قيم التكيف والتنميط، تقديم وتوظيف الحلفاء أو المتعاونين من مجموعات المصالح، محاولة احتواء البديل السياسي للثوار، عزل الرأس الجديد للنظام القديم وإسقاطه، فرض منظومة القيم الجديدة وحالة المجتمع الفاعل، مشيراً إلى أن ذلك كله يتوقف على قدرة الثوار وسرعة اكتسابهم مهارات العمل السياسي وتطويرهم البديل السياسي الخاص بهم.