مرسي في مواجهة الخطاب الليبرالي
لا شك أن وصول مرسي إلى سدة الرئاسة المصرية، بعد أن كان سجيناً في عهد مبارك، وكان حزبه محظوراً وزعماؤه مطاردين، وفي المنافي والسجون، يُعذَّبون ويقهرون، وربما يُعدمون، قد أثار حفيظة زعماء الأحزاب الأخرى، الذين راحوا يوجهون إلى مرسي الرسائل السياسية والتوجيهات، وينتقدون عهده القصير -حتى الآن- انتقاداً قاسياً. وكان من أهم هؤلاء النقاد، رفعت السعيد المفكر السياسي الليبرالي، وزعيم حزب التجمع الوطني المصري، الذي كتب مقالات عدة في جريدة "المصري اليوم"، ينتقد فيها سياسة الرئيس مرسي انطلاقاً من ايديولوجيته الخاصة.خطاب للجالس على عرش مصر!
وسنحاول في هذا المقال مناقشة بعض مقالات السعيد في ضوء الحق والحقيقة، وليس في ضوء خطاب اليمين المتمثل بخطاب "الإخوان المسلمين"، أو بخطاب اليسار المتمثل بخطاب "حزب التجمع الوطني".في مقال السعيد بعنوان "يا أيها الجالس على عرش مصر... حذار" ("المصري اليوم"، 15/ 9/ 2012) وهو عنوان جاء بصيغة تحذيرية، كصيغة تحذير أستاذ لطالبه، أو أب لابنه، أو أم لابنها... إلخ. ونسي السعيد أن مرسي لم يعد زعيماً من زعماء "الإخوان"، يخاطبه الند للند (زعيم يساري، وزعيم يميني)، وإنما أصبح رئيس جمهورية مصر، ودعا هذا المنصب السعيد، لأن يخاطب مرسي رئيساً، وليس كزعيم ديني، بلهجة أخرى، ولغة أخرى، تتناسب والمنصب الذي أصبح فيه مرسي. ولنلاحظ في هذا المقال، وفي غيره من المقالات السابقة للسعيد، التي انتقد فيها الرئيس مرسي، أن السعيد لم يشر إلى مرسي كرئيس للجمهورية، ولكنه أشار إليه كزعيم من زعماء "الإخوان". وكأن السعيد، لم يعترف بعد بشرعية، ودستورية رئاسة مرسي لمصر. مع أن مرسي لم يأتِ إلى الرئاسة المصرية بانقلاب عسكري، على ظهر دبابة مصفحة، وإنما جاء من خلال صناديق الاقتراع، التي حاول الليبراليون المصريون، أن يعتلوا كرسي الرئاسة من خلالها، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك. وهذا لا يليق أبداً بلغة تَخاطُب الليبراليين لليمينيين أو لغيرهم. وعلى الليبراليين أن يكونوا قدوة للسياسيين الآخرين في التخاطب، والنقد النظيف، والشجاع.تحذيرات السعيد لمرسيقال السعيد في مقاله السابق ساخراً وهازئاً، من الرئيس مرسي:"لك احترام واجب، وجوب استمرار معارضتي لك، ولحزبك، ولسياساتك. وأعرف جيداً، أن ابتسامتك المنتشية، بما لم تكن تحلم به، قد تغريك بعدم الاهتمام بتحذير أسوقه لوجه الوطن، وخوفاً على الوطن، فتحذيراتي جدية، فاحذر من تجاهلها. ولا يغرَّنك تحكُّمك المتواصل في المفاصل والمناصب. فكل ذلك قد يستحيل كما استحال سابقه في لحظة انتفاض شعبي".ثم ختم السعيد تحذيراته لمرسي قائلاً:"يا د. مرسي، إن نصيحتي تأتي من خوف على مصر، وليس عليك. ومع ذلك أتمنى أن تأخذها مأخذ الجد. فمصر العظيمة قد تنهار بسبب نشوة الاستحواذ، وسوء الحكم والتحكُّم، لكنها ستنهض لتعيد كتابة تاريخها، وساعتها لن يبقى للمسؤول عن ركوعها سوى (عار الزمان)... فحذار مرة أخرى، وليست أخيرة".وسرد السعيد تحذيراته لمرسي على النحو التالي:1- "أحذِّرك من أن الأميركيين -ورغم ما يبدونه نحوك ونحو جماعتك من حماس، وحنان، ودعم- يحفرون تحت أقدامك غير الراسخة، سعياً لمخطط يستهدف مصر ذاتها، لتفكيكها فتصبح دولة ولا دولة، وحكومة ولا حكومة، وبرلماناً ولا برلماناً، وتردياً في الأمن، وفوضى تتصاعد. ويبقى العرش عرشاً ولكن على خواء. ونموذج العراق جاهز". ولكن العراق لا يصلح أبداً أن يكون المثال الجاهز للسعيد للخواء السياسي بفعل أميركا، بقدر ما كان بفعل الخواء السياسي في النخب العراقية نفسها، وصراعها المذهبي الديني على السلطة، فإيران جارة العراق أكثر خواء من العراق نفسه، وكذلك سورية والأردن، وكثير من البلدان العربية، فأين الدور الأميركي في هذه البلدان من الخواء السياسي، الذي يتحدث عنه السعيد، ويحذر مرسي منه؟ألم تحرر أميركا فرنسا من النازية، كما حررت العراق من الدكتاتورية؟فكيف أصبحت فرنسا غداة الحرب العالمية الثانية، وتحررها من الاحتلال النازي؟وكيف أصبح العراق غداة 2003، وتحرره من الدكتاتورية؟إن الخواء السياسي في العالم العربي مصدره الرئيسي، عدم وجود نخب سياسية وطنية تصلح للحكم. وهذا ما اكتشفته الشعوب العربية بعد نيل البلدان العربية استقلالها، ورحيل الاستعمار، وتولّي النخب السياسية "الوطنية" الحكم.2- وقال السعيد: "احذِّر من أن جيش مصر مستهدف في وحدته، وقدراته، وتماسكه. فهو آخر ما تبقى لمصر وللعرب، وتأمّل جيوش تونس وليبيا والسودان وسورية والعراق. فكل منها بشكل أو بآخر، تمزق، ولم يبق سوى الجيش المصري. فإن فعلوها به أصبحت إسرائيل سيدة، وحاكمة، ومتحكمة بلا حرب. وتمزيق الجيوش الأخرى تم التخطيط له أميركياً. فاحذر لئلا يكون زمانك هو زمان دمار مصر، وخضوعها".فهل يعلم السعيد، أن إسرائيل منذ 1967، أصبحت هي السيدة والحاكمة والمستحكمة في العالم العربي؟وألا جهد أميركياً داعياً إلى تمزيق الجيوش العربية. فهي ممزقة أصلاً، وغير قادرة على الحرب كما رأينا في هزيمة 1967 العسكرية لجبهات مواجهة عسكرية رئيسية ثلاث (مصر وسورية والأردن). ولولا "الحنكة السياسية" للسادات، لما تم لمصر ما حققته بعد حرب 1973، وتحرير سيناء طبقاً لمعاهدة "كامب ديفيد" 1978.وقال السعيد في خطابه لمرسي: "أحذرك من إغواء جماعتك، بدفعك للمساس بالدولة المدنية، وحقوق المواطنة، وحريات الصحافة، والإعلام، والإبداع، والخلق الفني والأدبي. أو مواصلة (أخونتها)، فذلك سيزيدك ضعفاً، وعزلة، وسيسهل على الأميركيين مؤامرتهم لضرب الجذور المصرية التي ظلت راسخة قروناً. فاحذر أن يكون زمانك هو زمان الهيمنة الأميركية سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، على ركام مصري، لا يستطيع المقاومة أو حتى النهوض. وأحذرك من قنبلة دائمة ومؤهلة بسبب جلوسك أنت وجماعتك على عرش السلطة للانفجار. إنها قنبلة الإخوة المسيحيين الذين طال زمان تجاهل حقوقهم. وحانت بسبب وجودك ساعة استيقاظهم للمطالبة بها جميعاً. وإخوان جماعتك وحلفاؤك السلفيون، لا يهتمون إلا بنص منتزع من قول فقهي قديم يختلف عن أقوال أخرى. ومع ذلك يدقون به مسامير في نعش حقوق المواطنة المتساوية تماماً، في كل شيء، تماماً في كل الوظائف ودور العبادة وغيرها. وحذار من المماطلة أو التجاهل، فالأمر أكثر تعقيداً وخطورة مما يهمس به رجال جماعتك المحيطون بك".من الواضح هنا، أن السعيد يعتبر مرسي جاهلاً وغير واع، لكل ما ذكره. وكأن مرسي قد هبط على مصر من السماء ولم يأتِ من الطبقة المتوسطة المصرية. أو هو يعتبره حاكماً غربياً (خواجه)، لا يعرف من مصر غير ما عرفه نابليون، وشارون، وشامير، وبيغين، ورابين، وغيرهم من الغزاة. ولا يعلم السعيد، أن مرسي رئيس نابه، سيعمل كل ما في وسعه لتجديد ولايته بعد أربع سنوات، أو تجديد ولاية "الإخوان" على الأقل، ولن يتم ذلك إلا بعد أن يصبح الحاكم الضرورة بتنفيذ ما طالب به السعيد.(وللموضوع صلة).* كاتب أردني