حتى لو بقي النظام السوري يواصل التأكيد ويحلف الأيمان أنه لا يمكن أن يستخدم السلاح الكيماوي ولا الغازات السامة، وأخطرها غاز السارين الذي يقال إنه جرى توزيعه مع كمامات واقية على بعض قطاعات "عظم الرقبة" العسكرية، فإنه لا يمكن تصديق هذا ولا يمكن الركون إليه، فمَنْ يقتل كل هذه الأعداد الهائلة من أبناء شعبه ومن يُلحق كل هذا الدمار والخراب ببلده من أجل البقاء في كرسي الحكم من غير المُستبعد أن يلجأ إلى هذا السلاح الفتاك إذا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإذا بلغ اليأس عنده حدَّ الجنون والانتحار، وإذا وجد أن خياره الأخير هو أن تكون نهايته كنهاية "الأخ قائد الثورة" معمر القذافي!

Ad

إنَّ كل شيء جائز، ومن غير المستبعد أن يلجأ هذا النظام، الذي ارتكب ضد شعبه أفظع وأبشع مما ارتكبه بول بوت، الذي كان لقبه في بلده كمبوديا "الأخ رقم1"، ضد شعبه الكمبودي، إلى ما هو أخطر وأسوأ من كل هذه الأسلحة الفتاكة التي يملكها، فهذا النمط من الأنظمة الاستبدادية لا يتورع عن فعل أي شيء مادام أن بَعْدهُ الطُّوفان، وأنه ممثل برئيسه يعتبر نفسه أهم من الدولة ومن الشعب، وأنه لا مانع لديه من أن يلجأ إلى معادلة "عليَّ وعلى أعدائي"، إذا تأكد أن نهايته باتت قريبة.

إنه لا يجوز تصديق فيصل مقداد، الذي أخذ موقع جهاد مقدسي الذي فضَّل الانشقاق والقفز من سفينة الحكم الغارقة قبل فوات الأوان، عندما يقول إن النظام السوري لا يمكن أن يستخدم هذه الأسلحة الفتاكة "إنْ هي وُجدت" ضد شعبه، فهو أولاً ليس صاحب قرار، بل هو مجرد بوقٍ لتمرير ما يريد تمريره صاحب القرار الفعلي ومثله مثل كل الذين سبقوه... مثل بثينة شعبان، ووليد المعلم، الذي سأنصحه لو كنا أصدقاء بأن يتدارك نفسه وأنْ يبحث بسرعة عن مأوى يستقبله، قبل أن يجد نفسه جالساً على أطلال نظام بات انهياره مسألة وقت قريب، وباتت أيامه معدودات.

وهنا فإن ما يدعو إلى مزيد من التساؤل هو أن الأميركيين يواصلون يومياً ضخ المعلومات التي تؤكد وجود مثل هذه الأسلحة الفتاكة في سورية، وتؤكد أيضاً أن هذا النظام استكمل إجراءات واستعدادات استخدامها، لكن رغم ذلك فإنهم على لسان وزير خارجية بلدهم هيلاري كلينتون مازالوا يراهنون على أن بإمكان بشار الأسد رعاية المرحلة الانتقالية المطلوبة في بلده، مما يعني أن واشنطن ماضية في ميوعتها السياسية، وأنها من خلال هذه التصريحات وهذه المواقف "المائعة" تعزز ثقة الرئيس السوري بنفسه وتمنحه مزيداً من الوقت كي يواصل ذبح مزيد من شعبه.

الآن بلغت الأمور في سورية لحظة حاسمة، وهذا يتطلب من كل الجهات والدول المعنية بهذا الأمر، القريبة والبعيدة، أن تتصرف بمنتهى المسؤولية، وأن تتحرك بسرعة، فحتى لو أننا صدَّقنا ما قاله فيصل مقداد عن أن بشار الأسد لن يستخدم مثل هذه الأسلحة ضد شعبه، فإنه قد يستخدم هذه الأسلحة ضد دول مجاورة، ثم إن هذه الأسلحة في حال انهيار النظام بطريقة "دراماتيكية" قد تقع في أيدي بعض فلول مؤيديه من حزبيين ومخابراتيين وعسكريين، وهؤلاء من غير المستبعد أن يستخدموها بدوافع "طائفية" انتقامية ضد مدنٍ وقرى وتجمعات سكانية ذات هوية مذهبية معينة، ولذلك فإنه لابد من التحرك قبل فوات الأوان.