ثمة حيرة تنتاب المراقبين لمجريات الأحداث في المنطقة العربية... كيف نفسر ما يحدث في العالم العربي فيما سُمّي بحركات "الربيع العربي؟".

Ad

إن نظرية المؤامرة... نظرية مكررة ممجوجة خصوصاً في الخطاب العربي... فالجميع يتآمرون علينا لما حققناه، وكأننا اكتشفنا الذرة وذهبنا إلى القمر، أو حتى فتحنا عكّا! ولكن إن توافرت شواهد ودلائل على أن ثمة "مؤامرة" فلا بد من رصدها... ومن الغباء استبعادها بأنها مجرد "مؤامرة"!

غير أن "الخارج" لايستطيع التأثير في "الداخل" إلا إذا وجدت ظروف موضوعية في ذلك "الداخل" تساعده.

وأعتقد أن الوضع العربي أخذ يشهد تلك الظروف الموضوعية منذ زمن بعيد، ومن ناحيتين:

الناحية الأولى: إن الأنظمة القائمة والتي تمت الإطاحة بها أو تجري الإطاحة بها، قد "طوّلت" ومضت عقود من الزمن وهي قائمة لا تسمح لغيرها بمنافستها والحلول محلها رغم كونها جمهوريةـ وإذا أصابت الشيخوخة أو حلت الوفاة بالأب الحاكم، فإن الابن الشاب يُعد لتولي السلطة (أو تولاها بعد والده)... هذا فضلاً عن واقع الفساد المستشري في تلك الأنظمة والذي يصيب باليأس أقوى المتفائلين. وكان الغرب يقف إلى جانبها ويؤيدها رغم سوءاتها.

أما الناحية الثانية: فهي أن تلك الأنظمة لم تتخذ أي مواقف مشرفة تجاه إسرائيل. وفي عالمنا العربي، أي مواجهة من أجل فلسطين هي مقياس "وطنية" و"عروبة" أي نظام عربي.

ولكن تبين أن تلك الأنظمة يهمها البقاء في السلطة والتمتع بامتيازاتها، بأي ثمن، "ومن بعدي الطوفان"!

والقوى الغربية، التي أضحت "ثوروية" اليوم، والتي تؤيد الإطاحة بتلك الأنظمة تدرك، أو أصبحت تدرك، أن تأجيل السلام في الشرق الأوسط وعدم حسم الصراع العربي- الإسرائيلي من أسباب العداء المتأصل في نفوس العرب ضد الغرب بما يتضمنه ذلك من تحيز غربي لإسرائيل ضد الدول العربية مجتمعة، إن تلك القوى أصبحت تدرك ذلك، لكنها لاتعلنه خوفاً من إسرائيل والقوى المؤيدة لها في الغرب. كما حدث مؤخراً للشاعر الألماني الذي اقترب من الحقيقة، لكن الغرب يريد التخلص من تلك المشكلة في ضوء قبول العرب بالسلام وتوقيع بعضهم "اتفاقيات سلام" مع إسرائيل وقبول بعضهم الآخر بالمبدأ، هذا مع تعنت الجانب الإسرائيلي وتردده في قبول السلام.

وقد حاول الغرب الضغط على إسرائيل دبلوماسياً للقبول بالسلام والدخول فيه، من جورج بوش الابن إلى الرئيس أوباما- على ما بينهما من اختلاف في السياسة- ولكـن تل أبيب ظلت ممتنعة!

فهل التغييرات الجديدة في عالمنا العربي، والتأييد الغربي لحركاته بمنزلة ضغط جديد على السلطة الإسرائيلية، بمعنى ظهور قوى سياسية جديدة في العالم العربي، كـ"الإخوان المسلمين"، الذي يمكن أن يعودوا لمحاربة إسرائيل ويدعموا القوى الإسلامية المحيطة بها؟ ويلاحظ أن الغرب يبحث عن "إسلاميين معتدلين" ضد المتشددين، وهو لا يمانع إذا حدث صراع بين الجانبين.

وهل تصريحات نتنياهو- بتطرفه المعهود- في الآونة الأخيرة عن "الدولة الفلسطينية" وإرسال واشنطون لمبعوث أميركي زار مصر والكويت والسعودية. فضلاً عن مروره بالأردن، وإسرائيل لبحث "السلام" مع الدول المعنية في المنطقة من مؤشرات اقتراب الحل "واستجابة" الجانب الإسرائيلي له، في ضوء تلك التغييرات التي أخذت مؤشراتها تترى من تفجير أنابيب الغاز إلى إسرائيل مرات عديدة إلى إلغاء الجانب المصري لاتفاقية الغاز جملةً وتفصيلاً... إلخ.

ويرى العالمون بحقائق الوضع العسكري العربي، أن الجيوش العربية تخلت عن تلك الأنظمة ما أدى إلى سقوطها.

فالجيش التونسي تخلى عن بن علي ولم يدخل المعركة ضد الشعب التونسي معه وهو الآن يتلقى "رد الجميل" الأميركي، كما تحدثت الأنباء، والجيش المصري بالمثل، كما أن الجيش اليمني اتخذ موقفاً هو أقرب إلى الحياد في الصراع السياسي إلى أن رحل علي صالح وصار الجيش الآن في إمرة الرئيس الجديد. أما في سورية، فقد وقف الجيش النظامي موقفاً آخر، واتخذت الأزمة مساراً آخر.

وفي ليبيا كان القذافي على وشك القضاء على الثورة في الشرق، فسارع حلف الأطلسي، وهو أقوى قوة عسكرية، إلى إقامة مظلة حربية في الغرب فوق الساحل الليبي أدت إلى النتيجة المعروفة.

إن مثل هذه "المواقف" الغربية تغير الصورة التاريخية في المنطقة وتجعل "الجماهير" العربية أقرب إلى الغرب ولم نسمع أصواتاً ضده في ساحة الثورات وذلك ما يجعل روسيا والصين في حالة ضيق. فالمراهنة لديهما على استمرار العداء العربي للغرب، وهذا دليل آخر على أن الغرب يقف وراء ما يحدث بدليل المعارضة الروسية- الصينية لذلك. وقد قال بوتين أخيراً إن التقارب الروسي- الصيني "تقارب غير مسبوق"!

فيا وطني الكبير... هل تسمع النفير القادم إليك هذه المرة من واشنطن ولندن وباريس؟

فسبحان الله مغير الأحوال و... المصالح!

* أكاديمي ومفكر من البحرين