أولت الدول والمنظمات الإنسانية والمجتمعات البشرية بشكل عام منذ القدم  الأطفالَ اليتامى أهميةً استثنائية، وعملت على رعايتهم وتنظيم شؤونهم من خلال مؤسسات خاصة تتولاهم وتأخذ بأيديهم، وتنشئهم النشأة الصحيحة، وقد خصصت الأمم المتحدة يوماً واحداً في السنة للاحتفاء بأيتام العالم وتكريمهم «يوم اليتيم العالمي» لما لهم من تأثير كبير على حاضر المجتمعات ومستقبلها، فلا غرو أن نرى أن معظم قادة العالم وعباقرته الذين أبدعوا في كل مجالات الحياة الحيوية قديماً وحديثاً كانوا أيتاماً.

Ad

ولدورهم المؤثر في المجتمع، اهتمت بهم الأديان السماوية اهتماماً بالغاً ومن ضمنها الإسلام من خلال تشريع قوانين خاصة تضمن حقوقهم وتؤمن مستقبلهم، وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بالدرجات العلى في الجنة وقال «أنا وكافل اليتيم في الجنة».

والكفالة تعني ضمن ما تعنيه تهيئة الأجواء الصحية والبيئة الصالحة لرعاية هؤلاء اليتامى، لأن المحيط أو البيئة الاجتماعية عامل مهم في تكوين وتحديد الملامح الأساسية لشخصية الإنسان، وقد أجمع علماء الاجتماع قديماً وحديثاً وعلى رأسهم «ابن خلدون» على أن الإنسان ابن بيئته، فلا يمكن أن تهيئ إنساناً متطوراً في بيئة بدوية متخلفة ولا عالماً في صنع السيارات والطائرات من بيئة زراعية بدائية، والإنسان الذي يُربى في جو إجرامي نادراً ما يصبح عالم دين أو مصلحاً اجتماعياً، والعكس أيضاً صحيح.

ولا يغفل العلماء دور الأسرة كأصغر وحدة بيئية تحيط بالإنسان وتؤثر عليه، فمن خلالها يستمد معظم سماته الرئيسة ومعالمه الثقافية والإنسانية؛ فإذا ساد فيها الهدوء والاستقرار ونشأ أبناؤها على الأخلاق الحسنة وحرية الرأي، نشأ الإنسان خيّراً ومسالماً وعنصراً صالحاً في المجتمع، أما إذا كان جو الأسرة مشحوناً بالصراع الدائم والمنازعات العدوانية، فإنه ينعكس سلباً على الإنسان والمجتمع والدولة أيضاً. وكما كان للمحيط العائلي دور مهم وبارز في ظهور رجال دولة وقادة عظام وأدباء وفنانين عالميين ومصلحين اجتماعيين نشأوا أيتاماً مثل «دافينشي» و«سيمون دي بوفوار» و«كونفوشيوس» و«نيلسون مانديلا» و«أرسطو» و«تولستوي» و«ديستويفسكي» و«بتهوفن» وغيرهم من العظماء الذين أثروا في العالم ووجهوه إلى الخير والسلام والمحبة والإنسانية، فقد كان له أيضاً تأثير مباشر على ظهور رجال قساة وقادة سخروا إمكاناتهم وإمكانات بلادهم للشر وإيذاء الآخرين مثل الإمبراطور الروماني «نيرون» الذي عاش في كنف أمه المستبدة «أغريبينا» بعد موت والده، وأخذ منها ميولها العدوانية في القتل وتدبير المؤامرات للأصدقاء قبل الأعداء، فنشأ قاتلاً متعطشاً للدماء، يذكر أن أول عمل قام به قبل إحراق مدينة روما، هو قتل أمه بالصورة التي كانت تفعلها بالخصوم، ونفس الكلام ينطبق بصورة أو بأخرى على قادة آخرين مثل «جنكيزخان» و«ستالين» و«هتلر» و«كاليغولا» الذي تأثر تأثراً كبيراً بإعدام الإمبراطور الروماني لوالده وهو في السابعة من عمره وعندما كبر وأصبح إمبراطوراً «أذاق الشعب الروماني ذل الهوان وكان «سادياً يحب التعذيب والقتل والاغتصاب». وقد عرف الرسول الكريم اليتم وجربه وأدرك خطورته على المجتمع إن أُهمل، ولم توفر له الأجواء المناسب لرعايته، يكفي أن جزءاً من عظمته «ص» يعود إلى البيت الذي ترعرع فيه وهو صغير تحت وصاية جده عبدالمطلب وعمه أبي طالب اللذين كانا له نعم المعيل.

من الأهمية بمكان أن تقتدي الدول الإسلامية بالرسول، وأن تمتثل لأوامره وتعمل على توفير العناية اللازمة لهذه الشريحة المهمة، خصوصاً الدولة العراقية بسبب الحروب الكثيرة التي خاضتها ونسبة الأرامل واليتامى التي خلفتها، فالإحصاءات الرسمية تشير إلى وجود أكثر من 5 ملايين يتيم في هذا البلد، وهذا رقم خرافي لا يمكن تصديقه ولكنه حقيقي، فإن لم تتصدَّ له الأجهزة الحكومية بكامل جاهزيتها وتستنفر طاقاتها وتوفر له الحل السريع والفاعل، فإن العراق مقبل على كوارث ومصائب وشيكة، شبيهة بتلك التي أحدثها صدام حسين عبر سنوات حكمه.

* كاتب عراقي