لا يمكن لكثيرين أن يصدقوا أن توقيت إنتاج وعرض مسلسل عمر الذي يحكي سيرة الخليفة والصحابي الجليل عمر بن الخطاب هو محض مصادفة، وسط التداعيات السياسية السابقة والحالية في المنطقة منذ مواجهات الحوثيين في اليمن وحتى تطورات المشهدين السياسيين في البحرين وسورية وبعدهما المذهبي الذي يتردد صداه في لبنان والعراق، لا سيما أن منتجي المسلسل الضخم والمكلف جداً مالياً هما تلفزيون الشرق الأوسط ذو الصبغة شبه الحكومية السعودية وتلفزيون قطر الرسمي، وكذلك لارتباط لجنة الإعداد التاريخي لأحداث المسلسل باسم الشيخ يوسف القرضاوي وهو ما يؤشر إلى البعد السياسي للعمل الدرامي الذي يثير جدلاً فقهياً كبيراً بسبب تجسيد عمر بن الخطاب تمثيلاً.
المسلسل يحظى بمتابعة كبيرة تدعمها الأجواء الطائفية السائدة، رغم أنه جاء بعد أعمال درامية سينمائية ضخمة استعرضت السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي مثل فيلم أنتوني كوين في الرسالة ومسلسل محمد رسول الله الشامل والضخم، الذي عرض على خمسة أجزاء سنوية، وكذلك جدلية الأعمال الدرامية الدينية التي تدخل النقد الفني في الحدث الديني المعصوم وتباين الروايات للأحداث بقضايا العقيدة واختلاف المذاهب وأوجه سندها وتفسيرها تجاهها، والتي تجعل مثل هذه الأعمال غير مرغوبة ومحل نزاعات لا طائل ولا فائدة منها على الإسلام والمسلمين. المهم أن مسلسل عمر وإن كان يتمتع بأداء عال وتقنيات راقية فإنه محكوم بظروف سياسية كان يجب أن تراعى لأنه يصب مزيداً من الزيت على نار الطائفية المشتعلة في المنطقة، ويجاري ما يفعله أصحاب المشروع الإيراني الأصولي الذي يجتر مسلسلات تاريخية ذات بُعد يتعلق بقضايا مذهبية ينتشر بثها على محطات تلفزيونية عراقية ولبنانية وخليجية يملكها بعض أبناء الطائفة الجعفرية، والذي يجعلنا في المحصلة وجهين لعملة واحدة.المؤسف أن الفن عندنا بدلاً من أن يستخدم لنشر الجمال والمحبة يستخدم لإرسال رسائل سياسية تحض على التحريض وربما التجييش المذهبي، فأحد أهم رسائل مسلسل عمر هي التأكيد على البعد العربي للدولة الإسلامية الكبرى وموطنها في جزيرة العرب وهي معلومة ليست دقيقة بالكامل، كما أنه سيؤكد المشهد الرئيسي الذي يهدف له توقيت المسلسل والمتمثل بسقوط الإمبراطورية الفارسية على يد الخليفة عمر بن الخطاب عام 23هـ / 644م الذي استكمل فيه الفاروق القضاء على تلك الإمبراطورية وفتح فارس برمتها، وهو حدث المسلسل الأهم، الذي سيشكل رسالة تحفيز واستنهاض لمواجهة محتملة مع إيران في وقتنا الحالي سيفهمها الكثير من شبابنا بشكل خاطئ وربما تدفعهم لأفعال مذهبية خطيرة، بينما الحقائق تبين أن مشروع النظام الإيراني في المنطقة يتداعى من موقع قلبه في الشام، ولا نحتاج في هذا التوقيت الحساس إلى صبغة طائفية أو مبالغة في تجييش وتوتير مجتمعاتنا وجعلها في موقع المواجهة بين مكوناتها التي ستؤدي إلى تفتيت جبهاتنا الداخلية، وتجعلنا صيداً سهلاً لاختراقات عميقة لمكونات مجتمعاتنا ستكبدنا خسائر هائلة، بينما نحن بأمس الحاجة لكل مجهود لتبريد سخونة الاحتكاك والمواجهة مع الطرف الآخر وإبراز مشروعنا التوافقي الذي يستوعب الجميع خاصة أبناء الطائفة الشيعية، في مقابل المشروع الإيراني الانتحاري والمدمر، لذلك فإن توقيت إنتاج وعرض مسلسل عمر يعتبر خطأ سياسياً وإعلامياً كبيراً سيضر أكثر مما ينفع.
أخر كلام
مسلسل عمر... خطأ سياسي وإعلامي
02-08-2012