في عام 1987 أنهيت مجموعتي القصصية الثانية، بعد أن قررت عدم نشر المجموعة الأولى، لعدم قناعتي بمستواها الفني. ولأنها ستكون المجموعة الأولى استأنست برأي الأستاذ سليمان الخليفي والأستاذ إسماعيل فهد إسماعيل اللذين شجعاني على نشرها. في تلك الأيام كانت الرقابة مسبقة على الأعمال المنشورة بما في ذلك النشر الصحافي والأعمال الأدبية. وتقدمت بالمجموعة لوزارة الإعلام وأعادها إلي الرقيب، وقد أعمل قلمه الأحمر في سطور أربع قصص من المجموعة كانت العمود الفقري لها. كانت المجموعة تشبه كراس تلميذ فاشل رسب في حصة التعبير وأغضب المدرس الذي حتى هذه اللحظة لا أعرف من هو، وكيف قرر أن المجموعة لا تصلح للنشر خصوصاً أنني لست كاتباً سياسياً ولا أنتمي إلى حزب سياسي.

Ad

بقيت المجموعة حبيسة الأدراج حتى عام 1990 حين طلب مني أحد الأشخاص أن يتدخل لدى وكيل وزارة الإعلام حينها، ويسمح لي بنشر المجموعة. سلمت الرجل المخطوطة وأعادها إلي مصحوبة بإجازة الطباعة باستثناء قصة وحيدة رفضت الرقابة نشرها. نشرت المجموعة وظل سؤال يحيرني لم أجد إجابة عنه. من هو الشخص المؤهل لأن يسمح بنشر عمل أدبي؟ ما قدرته النقدية وما طعم ذائقته الأدبية؟ هل يحدد له انتماؤه السياسي أو النقدي إجازة العمل أو رفضه؟

ما حدث للفنانة التشكيلية شروق أمين يبدو أكثر غرابة من السياق التقليدي للرقابة الذي اعتدناه في الماضي أو الحاضر، فالعمل الأدبي حتى هذه اللحظة بحاجة إلى خطاب فسح من الإعلام ليسمح بتداوله كسلعة أدبية تعرض للجمهور سواء في معرض الكتاب أو المكتبات. وربما نتفهم تدخل وزارة الإعلام بالسماح لمعرض تشكيلي بأن يفتح أبوابه للجمهور، أما تدخل رجال الأمن واتخاذ قرار بإغلاق معرض بعد افتتاحه فيعد سابقة. لا أعتقد أن الجهات الرسمية قد أصدرت أمراً قضائياً مستعجلاً بإغلاق المعرض وطلبت من الداخلية كجهة تنفيذية بتطبيق الأمر القضائي خلال ثلاث ساعات فقط.

ما حدث تجاوز ما كان يحدث أيام الرقيب في غياب البرلمان، وهو خطوة كبيرة للوراء، ووجود رجال الدين كأغلبية عظمى في البرلمان لا يعني الخروج عن الدستور الذي آمنت به هذه الأغلبية وأقسمت على الحفاظ على مواده. وحرية التعبير الأدبي هي أحد أهم هذه الحريات التي كفلها الدستور، وما حدث مؤشر لأن يكسر الفنان ريشته والكاتب قلمه، وأن تتوقف حركة الإبداع في بلد كان منارة خليجية للفن والأدب منذ أكثر من ستة عقود. لا نتوقع من أعضاء البرلمان الحالي أن يتفوقوا على أنفسهم وينتصروا للإبداع حتى وإن خالف توجهاتهم. ولا نتوقع أن يروا في الديمقراطية التي أوصلتهم الى البرلمان أكثر من وسيلة لتحقيق دولتهم الدينية، كما أعلنوها صراحة في مقابل الدولة المدنية التي خرجوا من رحمها. وها هم لا يفرقون اليوم بين النحت والمجسم الفني والأصنام، ويرون في كل صورة أو لوحة مشاركة لله في الخلق. ونعلم أنهم يقبلون صورة الجواز لهم ولأزواجهم على مضض.

الكتاب أو المعرض التشكيلي ليس عملاً يفرضه الكاتب أو الفنان على الناس دون إرادتهم، فالقراء ومرتادو المعارض هم في الأغلب أشخاص يمتلكون كامل الحرية والإرادة لزيارة المعرض واقتناء الكتاب والامتناع عن ذلك إذا شاءوا. والفنان يمتلك رقابة ذاتية يعمل بها من خلال مجتمعه، ويعلم أن القانون الذي يعيش تحت حمايته هو صاحب الحق الوحيد في محاكمته. فلماذا لم يلجأ الرافضون لمعرض الفنانة شروق أمين للقضاء؟