أذكر خوفي ولهفتي على سماع كلمة عن قصصي الأولى، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حين كنت أحملها إلى كتّاب معروفين، وأبقى انتظر كلمة تقييم أو نقد ترشدني إلى مكامن أخطائي الكتابية، كي أستعين بها على تطوير وتجويد كتاباتي. وقد عاودني هذا الهاجس في زيارتي لمعرض الكويت للكتاب الـ(37)، حين تقدمت مني مجموعة من الشباب الكويتيين حاملين إصدارتهم إليَّ، ليحمّلوني بمودة آسرة مسؤولية قراءة تلك الأعمال والتعليق عليها.
وإذا كنتُ أؤمن بضرورة احتضان ورعاية الكتّاب الشباب المبتدئين كمهمة أساسية من مهمات الكاتب الذي قطع شوطاً مشهوداً له في الكتابة، فإنني أؤكد أن الاحتضان والرعاية الموضوعيين هما أهم ما يحتاجه الكاتب الشاب في بداية مشواره. فتشجيع الكاتب بمديح زائد لا يستند إلى الحقيقة، هو انحراف به عن جادة الصواب، وقد يكون بمنزلة القتل له.العبقريات النادرة وحدها تولد بأعمال كبيرة ومدوية، والمسار الإنساني لأغلب المبدعين في العالم يقول بضرورة مرور الكاتب بمحطات كتابية كثيرة ومختلفة، يتعلم من خلالها أصول الفن الإبداعي الذي يعمل به، ويحاول جاهداً عبر القراءة والتجريب والأخذ بالنصائح النقدية الموضوعية، كتابة عملٍ يتفوق على سابقه، ويكون الأقرب إلى تحقيق الشروط الفنية المطلوب توافرها في العمل الإبداعي.أبرار الغصاب، مشاري محمد العبيد، عبدالعزيز مال الله، آلاء جمعة، نادية خالد الخالدي، عبدالله شعبان، مجموعة من الشباب الكويتيين الذين بدأوا مشوار الكتابة، ولكل منهم إصداره الأول، الذي ينظر إليه بوصفه جواز مروره إلى القارئ. جميع كتبهم صدرت عن دار النشر الكويتية «نوفا بلس للنشر والتوزيع».وإذا كان التشجيع والصدق الفني يتطلبان بالضرورة التمييز بين كاتب وآخر، فإنني أشير إلى أن مشاري محمد العبيد بمجموعته القصصية «كشمير» يختلف عن زملائه، ويمثل موهبة مبشِّرة وواضحة في القصة القصيرة، خاصة وقدرته على استحضار أجواء مختلفة تاريخياً واجتماعياً، وقدرته على كتابة قصة قصيرة تنطوي على حبكة فنية تستحضر أصول فن القص، وتحمل من التشويق الشيء الكثير. كما تجب الإشارة إلى أبرار الغصاب، في روايتها «أفلاطونيا»، هي أيضاً تمثل صوتاً مبشراً في الرواية، خاصة ما يوحي بسعة إطلاعها، ومحاولتها توظيف قراءاتها في أن تكون مفتتحاً لكل فصل من فصول روايتها. وأظن أنها لو حاولت الالتفات والكتابة عن القضايا المعاصرة للمجتمع الكويتي، فإنها ستكتب نصاً روائياً جيداً وقد يكون لافتاً. كما أن عبدالعزيز مال الله في مجموعته «المعجب المجهول» يقدم قصصاً جيدة تظهر موهبة، قد يُكتب لها النجاح لو أنها استزادت من القراءة المتخصصة في جنس القصة القصيرة، لكتّاب عرب وعالميين.إن انبعاث دار نشر جديدة، هو مثار فرحٍ واعتزاز بالنسبة لنا، وهو إضافة نوعية لساحة الثقافة في الكويت، خاصة حينما يتصدى لتلك الدار أصدقاء اتخذوا من الكتابة الإبداعية طريقاً وصلةً لهم بالمجتمع، لذا فإنني إذ أبارك جهد الزميلين خالد النصرالله وعبدالوهاب السيد، وأشد على أياديهما في مشروعهما الثقافي في دار «نوفا بلس»، فإنني أتوقع من دار نشرهما شيئاً من التدقيق فيما تنشر، وواضح أن أعمال آلاء جمعة، ونادية الخالدي وعبدالله شعبان، فيها الكثير مما يجب الوقوف عنده، على مستوى أصول الجنس الأدبي، وعلى مستوى التصحيح اللغوي. وإذا كنتُ أرى في آلاء ونادية صوتين لشابتين متحمستين، فإن ذلك مبعث أمل كبير بالنسبة إلي، حيث إن قليلاً من الرعاية والاهتمام والإرشاد قد يكون مؤثراً في تجربتهما، ومؤكد أنه سيأتي بثمار طيبة. والكلام نفسه ينطبق إلى حدٍ ما على عبدالله شعبان.الشباب رهان المستقبل الأهم، لذا يجب الاهتمام بهم وتشجيعهم ونصحهم.
توابل - ثقافات
أصوات شبابية مبدعة
25-12-2012