تأسس مجلس التعاون قبل 32 سنة بعد بدء الحرب العراقية الإيرانية مباشرة، وقيل حينئذ إن أهدافه أمنية بحتة، للتعامل مع تداعيات الحرب الطاحنة التي امتدت إلى ثماني سنوات قاسية، راح فيها أكثر من مليون إنسان، وقضت على أخضر كثير ويابس أكثر، وقدرت خسائرها حينذاك بأكثر من ٤٦٠ مليار دولار بحساب الثمانينيات. انتهت الحرب وظل المجلس يسعى إلى تحقيق أهداف ربما لم تكن بحسبان مؤسسيه، ولا يبدو أنه قد نجح كثيراً.

Ad

إن فكرة توحيد الجهود مطلوبة ولا غبار عليها، وبالذات عندما ينفتح المجلس شعبياً لكي يحقق مزيداً من الاستقرار، عن طريق تعزيز الحريات، وكرامة الإنسان، ونشر العدالة والمساواة، بمعنى أن يرسخ المجلس نفسه شعبياً، وذلك ما لم يحدث للأسف، فكان المجلس وما يقال عن إنجازاته دون طموح الشعوب، وظل نادياً للحكومات، منعزلاً عن الناس. وجردة سريعة لسجل المجلس تثبت لنا تهافت أدائه وضآلة إنجازاته، بل إن الخلافات البينية بين حكومات المجلس كانت هي الشغل الشاغل، فما إن ينتهي خلاف حتى يبدأ آخر، والناس عموماً يرقبون بأعينهم ضياع فرصة وحدة حقيقية. وبالتالي لم ينجح المجلس في إحداث النقلة النوعية المؤملة، فالمجلس ككيان مازال بعيداً عن الناس وطموحاتهم، وآمالهم، وسيظل كذلك كما يبدو حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

في هذا الإطار المحبط، وبدلاً من أن يسعى المجلس إلى مد الجسور مع شعوب الخليج، وجدناه يدفع بمزيد من الانكماش، والانغلاق، على الحكومات، ومزيد من الابتعاد عن الشعوب من خلال الدفع بقوة بالاتفاقية الأمنية الخليجية، والتي ستزيد من عزلة المجلس كمؤسسة أكثر مما هي معزولة شعبياً. فالاتفاقية موجهة بالدرجة الأولى ضد المواطنين الخليجيين، إذ إن هناك اتفاقية خليجية للدفاع المشترك للتعامل مع التهديدات الخارجية، فالاتفاقية تعتبر المواطنين خارجين على القانون وضارين بأمن الدولة، وشيئاً فشيئاً يصبح أمن الدولة أمناً للحكومة، فأمن الدولة أشمل بكثير من أمن الحكومات، وأظن أن من دفع بالاتفاقية الأمنية واهم إن كان يظن أن اتفاقيات كهذه ستحقق أمناً، أو أن من دفع بها مؤمن بأن مجلس التعاون لا يعدو كونه مؤسسة أمنية فقط لا غير، تتجلى مسؤوليتها في التعاون على الشعوب الخليجية لضبط سلوكهم "المنحرف"، "والضار" بأمن الدولة ولا حول ولا قوة إلا بالله.