الروس خائفون... لسبب وجيه!
أدت التطورات الأخيرة في روسيا إلى إعادة إحياء عبارة شهيرة استعملها سابقاً فلاديمير بوتين: "يجب ألا تتخلص المحاكم من عامل الرعب... بل يجب أن توفر له الأساس والشرعية بكل وضوح وصراحة ومن دون مجاملات". بعد ستة أشهر فقط على استعادة منصب الرئاسة، ينشغل فلاديمير بوتين في ابتكار إطار تشريعي كان لينين سيفخر به حتماً.في عهد النظام القانوني السوفياتي، كانت المحكمة سلاحاً بيد الحكومة، وكان ذلك النظام يهدف إلى حماية الدولة من الأفراد بدل حماية الأفراد من الدولة. في القانون الجنائي السوفياتي، كانت الخيانة تُعتبر جزءاً من مجموعة عامة تتصرف "بتأثير" من الطبقة البرجوازية. يبدو هذا التعريف مشابهاً جداً للنزعات التي عادت للظهور في روسيا اليوم، لكن يكمن الفرق في واقع أن بوتين لم يكن صريحاً بالقدر نفسه بشأن مفاعيل الإطار الذي يحضّره بل إنه اكتفى بالتحدث عن الحاجة إلى "الاستقرار". هو يريد على الأرجح زرع الخوف لكن من دون نشر الرعب الذي ساد في الماضي. هو ينوي ترسيخ تفسير حضاري ومقبول للحقبة السوفياتية مع أن هذا الأمر لن يكون كافياً لمواساة المجتمع المدني المحاصر والمعارضة المقموعة في روسيا.
يشعر الروس بالخوف لسبب وجيه. يبدو أن جميع الأحاديث السارية بين المواطنين الروس وممثلي المنظمات الخارجية المعنية بحقوق الإنسان يمكن أن تعتبرها المحاكم اليوم شكلاً من أشكال الخيانة، وقد تُصدر بسببها أحكاماً بالسجن لمدة تصل إلى 20 سنة. يشمل تعريف التجسس في قانون الخيانة الذي سرى مفعوله يوم الأربعاء "تقديم مساعدة مالية أو مادية أو تقنية أو استشارية أو أي مساعدة أخرى إلى دولة أجنبية أو منظمة دولية أو خارجية". بدأ تطبيق هذا التعريف المبهم والسخيف بطريقة مخيفة منذ الآن. في وقت سابق من هذا الأسبوع، اتهمت موسكو إيفان موساييف بالخيانة لأنه زعزع استقرار منطقة أرخانجيلسك المتجمدة نتيجة دراساته عن شعب قديم كانت تربطه علاقات بالنروج. يفرض بوتين نظاماً حيث يُعتبر الأجانب العدو الأساسي بينما يُعتبر الروس متآمرين محتملين معهم. لا بد من مراقبة الطرفين عن كثب والسيطرة عليهما.في شهر يوليو، وقّع بوتين على قانون "عملاء الخارج" حيث تُعتبر الحريات الأساسية جريمة من زوايا متعددة، فحتى لو تعلق الأمر بمعالجة مرض الإيدز، أو تعزيز تدابير حماية البيئة، أو مراقبة الانتخابات وحقوق الإنسان، يجب أن يحمل أي روسي يتلقى أموالاً خارجية للقيام بنشاطات مماثلة صفة "عميل الخارج" أو سيجازف بدفع غرامات هائلة أو دخول السجن.على صعيد آخر، يسري مفعول قانون مكافحة التطرف منذ سنوات عدة. هو مبهم بشكل مقصود كي تتمكن الحكومة من قمع المعارضين ونشر نزعة كره الأجانب. وسط توسع مناخ الخوف وانعدام الثقة راهناً، يُستعمل القانون على نطاق أوسع. يُستعمَل مطلب الاستقرار، وفق تعريف بوتين على الأقل، كمنطق لتبرير القمع. لا محاسبة بحق منتهكي حقوق الإنسان بينما أصبح الأشخاص الذين يسعون إلى حماية حقوق الإنسان في خطر رسمي. في ظل مناخ مماثل، ليس مفاجئاً أن تتزايد مظاهر التعصب والعنف.في الأسبوع الماضي، عقدت منظمة "فريدوم هاوس" مؤتمراً في واشنطن للمقارنة بين قوانين مكافحة التطرف في روسيا والصين وباكستان. حتى ضمن هذه المجموعة السيئة، تبين أن تشريع مكافحة التطرف في روسيا قمعي بشكل لافت.منذ أن سرى مفعول القانون الذي يضع المواقع الإلكترونية على لائحة سوداء سرية في 1 نوفمبر، مُنع أكثر من 180 موقعاً. قيل إن القانون مُرّر لحماية الأطفال من المحتويات المؤذية، لكن كانت صياغته متسرعة ومبهمة لمنح الحكومة هامشاً واسعاً للتلاعب ولإغلاق المواقع الإلكترونية من دون الحاجة إلى أوامر من المحكمة. يتعلق أسوأ جزء من قانون اللائحة السوداء بالمواد التي يُمنَع توزيعها في روسيا، مثل المواد التي تعتبرها المحاكم متطرفة أو مواد أخرى تكون محظورة بموجب قرارات المحاكم. غالباً ما ترتكز تلك القرارات على "خبرة" ضعيفة وتصدرها محاكم غير كفؤة وموالية للكرملين. في السابق، كانت قرارات المحاكم تشمل منطقة محلية فقط. أما اليوم، فهي تشمل البلد كله بموجب القانون الجديد.تولّد هذه القوانين الجديدة في روسيا بعض الأهداف غير المتوقعة. بعد موجة الغضب المناهضة للتجديف التي اجتاحت البلد ومجلس الدوما غداة إصدار حكم ضد فرقة "بوسي ريوت"، عمدت مجموعة من المتدينين المحافظين الأرثودوكس إلى تغطية شعار شركة آبل الشهير (تفاحة مقضومة) بصليب للتخلص من أي مفهوم مرتبط بالخطيئة الأصلية. لكن يبدو أن الخطيئة الحقيقية في هذا المجال تتعلق بجهود بوتين الرامية إلى ممارسة القمع تحت غطاء التشريعات وحكم القانون. مع ذلك، يزداد عدد الروس الذين يثبتون أنهم لا يصدقون هذه المقاربة التي تدعي تقليد نهج لينين.Susan Corke & David Kramer