برأيي أن الدعوات التي أطلقها عدد من نواب التشدد الفكري لإلغاء أي تنظيم مدني كملتقى النهضة ليست بجديدة عليهم، وإنما تأتي ضمن سلسلة من الأفكار التي يحاول ناشطو تيار التشدد الفكري تطبيقها سواء بالتشريع أو بالتهديد بالمساءلة السياسية، ومثل تلك الدعوات لن تتوقف ما لم توقف كل التيارات السياسية التي تضع الدستور شكلا وروحا عملها من أجل صد كل أجندات التشدد التي يحاولون فرضها على المجتمع الكويتي وصولا إلى تغيير حالنا إلى حال يقبل ويرتضي بسطوتهم الفكرية التي تناهض فكرة الدولة المدنية، والتي أصبحت عنوانا يحاربونه بشكل يومي إما باقتراحات القوانين التي ينوون تقديمها أو بتهديداتهم بجعل الكويت دولة تقبل فكرهم وحدهم وعندها يكون دستور عبدالله السالم كأن لم يكن!

Ad

ليت نواب التشدد الفكري يتذكرون تصريحاتهم في الثمانينيات والتي كانوا يحرمون فيها التلفاز قبل مجلس الأمة ويحرمون قيادة المرأة للسيارة بل وخروجها للعمل لأن في ذلك اختلاطا بالرجال، وليتهم يتذكرون محاولاتهم المستمرة بتكفيرهم بعض الشخصيات المدنية في الكويت والتي لا يختلفون معها الا فكريا!

وبالرغم من تبدل أحوالهم الواضحة بخوضهم الانتخابات البرلمانية ومشاركتهم في التصويت واعتمادهم على التصويت النسائي الذي كانوا يكفرونه، وكذلك بظهورهم المستمر في الفضائيات الإعلامية بشكل شبه يومي إلا أن ذلك وللأسف لم يبدل أفكارهم التي تريد أن تقود المجتمع إلى مجتمع يقبل وصايتهم ويستمع الى أصواتهم فقط ويرد عليهم بالسمع والطاعة ويرفض كل مظاهر الدولة المدنية التي يقررها الدستور.

وبالتالي فإن ما تمارسه تلك التيارات من إطلاق أقصى معدلات التشدد في محاولة لإحراج القوى السياسية المعارضة التي تقود مجلس الأمة لتمرير تلك المشاريع التي تناهض فكرة بقاء الدستور ومدنية الدولة التي حافظ عليها رجال الكويت ومشرعوها منذ 50 عاما، يتعين أن تتم مواجهتها فكريا والتنبه لخطورتها من أجل الحفاظ على نصوص الدستور.

ولذلك فإن من أخطر القضايا التي يتعين التنبه إليها هي استغلال الأغلبية النيابية في مشاريع هدفها انغلاق المجتمع على نفسه مقابل مساومتها في مشاريع أخرى، وهو ما يتعين على الأغلبية أن تؤكد ان الحقوق والحريات التي كفلها الدستور خط أحمر ولن يقبل بأي مساومات أو حتى مفاوضات من اجل تمرير أي مشاريع متشددة، وأن تنطلق قوى الأغلبية بصدق من مبادئها التي حرص الناخب الكويتي على اختيارها متجسدة في اختيار هؤلاء النواب.

بيع الدستور ونصوصه لأي جماعات فكرية لديها أجندات فكرية مقابل مصالح خاصة وآنية وربما لأهداف انتخابية هو ما سيضيع البلد، وسيجعل من المواطن المنتظر لمشاريع القوانين وخطط التنمية مواطنا مغررا بإرادته، كل جريمته أنه قدم صوته قوتا لضرب الدستور!