أنا خجلان يا أسرار... ومتأسف يا وفاء
يبدو أننا في الكويت قد فرغنا من توزيع غنائم البلد كقسائم وشاليهات وشتى أنواع الاحتكارات، ولم يتبق لنا إلا توزيع الطرق الرئيسية بمسميات وأسماء نكن لها الاحترام ونطلب لها المغفرة والرحمة، لكننا لا نعلم لماذا نسخ ترقيم الطرق الرئيسية مثل الدائري الأول والثاني... الخ، التي تسهل التوصيف وسلاسة الوصول لمناطق البلاد، لتطلق عليها أسماء شخصيات بعضهم رجال أعمال لم يكن لهم أي دور في الشأن العام أو المجالس التأسيسية وأعمال بناء الدولة الرئيسية، بخلاف نشاطات تجارية خاصة وقيادة جماعة دينية أو سياسية، والملاحظ أن عملية توزيع الأسماء جاءت بشبه "كوتات" لعوائل معينة معظمها لديها سابقاً شوارع في المدينة والضواحي بأسماء أبنائها، بل إن البعض كان طواشاً أو نوخذة وهي مهن مهمة عاشت عليها الديرة في السابق، لكن فعلياً "البحرية والغاصة" هم الذين بتضحياتهم صنعوا مجدهم، فهل يا ترى سيكون لهم مكان في أسماء شوارع البلد، كما أن مواقع أخرى سميت بأسماء من حملوا "البيرق" في معارك الكويت، فهل سيكون لمن استشهدوا وقاتلوا ببسالة لتنتصر الكويت مكاناً لأسمائهم على لوحات طرق الكويت؟! المؤسف أن توزيع الأسماء على الشوارع والمناطق جاء ليكرس التقسيم وصناعة "الكنتونات"، فمثلاً المرحوم عبدالله دشتي أطلق على اسم شارع في منطقة الجابرية ذات الكثافة من الإخوة الجعفرية الأعزاء باسمه، بينما سمي شارع في المنقف ذات الأغلبية السنية من أبناء قبيلة العجمان الكرام باسم المرحوم خليفة طلال الجري، ولا أدري ما الضرر لو بدل من اتخذ القرار موقعي تسميتهما، ليكون دشتي في المنقف والجري في الجابرية، لتثبيت تداخل البلد ولحمة جميع أبنائه ومناطقه دون ملامح تميز العرق أو المذهب؟ وهي أمور مهمة في بلد يعيش حالة من النزعات الطائفية والقبلية والمناطقية التي تهدد سلامته وترابط نسيجه الاجتماعي. لكن يبقى الأكثر إيلاماً وحزناً في موضوع التسميات ما نتذكره الآن من خلال العمل الدرامي الرمضاني "ساهر الليل" الذي يوثق فترة الغزو الصدامي الغاشم وأبطال المقاومة وبصفة خاصة سيرة البطلتين الشهيدتين أسرار القبندي ووفاء العامر، التي تجسد الممثلة هيا عبدالسلام في دورها التمثيلي خليطاً من الأعمال البطولية للشهيدتين، والذي يزيدنا حزناً وكدراً أن هاتين البطلتين لم يطلق اسماهما على أي مرفق أو موقع بخلاف مدرسة معزولة في مكان ما أو حديقة جرداء لا تتناسب مع ما قدماه للوطن، وذلك رغم ما اقترحه النائب السابق محمد الصقر بإنشاء "مستشفى أسرار ووفاء التذكاري" لتخليد سيرتهما وبطولتهما، وهو بلاشك مطلب محق لم تلتفت له الحكومة منذ 22 عاماً، وكذلك كل المقتدرين الذين يحرصون على وضع أسمائهم الرباعية وأحياناً الخماسية على أي مرفق يتبرعون به، بينما رجال المال والأعمال في أوروبا وأميركا كانوا يتسابقون على تسمية المرافق سواء مستشفيات وجامعات ومتنزهات، التي يتبرعون بها، على أسماء جنرالات الحلفاء وأبطال المقاومة بعد الحرب العالمية الثانية. البعض سيقول هناك مئات من الشهداء سيطلب تسمية مرافق وشوارع بأسمائهم، وهذا قد يكون صحيحاً لو توافر لنا ذلك، لكن هناك رمزية لكل معركة تحرير واستقلال وطنية، ورمزية قتال المرأة ومقاومتها أمر ذو تأثير بالغ وأثر معنوي ضخم على المجتمعات وحب الأجيال ودفعهم للتضحية والتمسك بالوطن والدفاع عنه بسبب البعد النفسي للمرأة في مكونات المجتمع، لذلك فإنه رغم الملايين الذين قاتلوا وقاوموا على مدى التاريخ الفرنسي مازالت جان دارك أيقونة المقاومة الفرنسية وملهمة الوطنيين الفرنسيين على مر أكثر من ستة قرون، ولذلك فإنني مجدداً أطالب بأن يخلد اسمي أسرار القبندي ووفاء العامر، لأنني وأنا أتابع سرد سيرتهما مع أبنائي أشعر بالخجل والأسف ككويتي بأننا حتى اليوم لم نخلدهما بالشكل المناسب، بينما يتسابق البعض في المقابل في توزيع شوارع الكويت الرئيسية على كوتات للأسر وللطوائف والقبائل ورجال الأعمال وأصحاب الجماعات السياسية التي رفضت إحداها أن تقوم القوات الصديقة بتحرير الكويت!