من بوسي رايوت إلى فتاة المناكير
في موسكو ثارت حكاية تشبه حكاية فتاة المناكير التي حدثت في الرياض منذ أشهر، مع الفارق الثقافي والسياسي، لكنها هي نفس الحكاية التي يستعين فيها النظام بثقافة مؤدلجة لقمع أفراده، فلا يعترض الشعب ولا ينتصر لحق الفرد، لأن المساس بثقافة المجتمع التي يختلط فيها الديني والاجتماعي مع السياسي خط أحمر، وليس للفرد حق أن يجرب فيه أو يخطئ ولا أن يختلف، ولو حاول فهو محكوم بالخطأ مهما كان عمره وفداحة ما فعل. وحين تعاقبه المؤسسة السياسية وتحكم عليه بالسجن أو القتل فإن الرأي العام يتخلى عنه أو ينقسم حوله مما يضعف درجة التعاطف معه، فالمؤسسة هنا أهم من الفرد والثقافة فوق الجميع، مما يسمح بإطلاق روح الانتقام بحسب درجات عنفها وانفلاتها، لكن الشيء الوحيد الغائب هو بالتأكيد الرحمة والتسامح وثقافة حقوق الإنسان. فرقة بوسي رايوت مجموعة فتيات في موسكو غنين ورقصن في أبرز كنيسة في موسكو، ودعون إلى التضرع بأن يسقط بوتين، فوجهت لهن تهمة المس بالنظام العام، وحكم عليهن بالسجن سنتين مع الأشغال الشاقة، ولم يتعاطف معهن الرأي العام، فقد أدخل الحكم الرعب في نفوس الناس وانشغلوا بفساد الفتيات بدرجة أكبر من فساد الموظفين العموميين الذين يحميهم نظام بوتين، لكن الإعلام فتح أضواءه وجعل منها قضية رأي دولية. هناك أيضا حكاية اقتحام طالبين حفلة في منطقة نائية في جنوب أفغانستان، وقطع رأس سبعة عشر شخصاً يرقصون بينهم امرأتان، ولولا وجود امرأتين لما كانت مشكلة، والناس لا تتعاطف عادة مع النساء "الراقصات" وشغلهم أمر إدانتهن أكثر مما شغلهم بشاعة الفعل أو غياب العدالة، فمن تنزلق قدمه من فوق قضيب السيرك الثقافي ستدق رقبته لا سيما حين يكون المخطئ امرأة، وجريمة الحاكم تجد من يبررها أكثر ما تجد الضحية من يدافع عنها. فتاة المناكير في الرياض أيضاً اجترحت خطأً ثقافياً، فالفتاة تمردت على النمط السائد لظهور النساء، ومهما كان عمرها فإن كشفها لوجهها وزيادة عليه العثور على صبغ أحمر على أظافرها فحكم عليها بالطرد من السوق، وأثقل ميزان الضحية بالخطأ طول لسان الفتاة المعترضة على قرار رجل الهيئة، هذه التهم الثلاث جعل الرأي العام ينقسم بين الوقوف ضدها ولامبالاة بها. هذه الحكايات هي اليوم حكايات عالمية تتباين بين قذف النساء وقص رقابهن وسجنهن، قرأتها في صحف إنكليزية وأميركية في معرض سفري، أما حكاية بوسي رايوت فقرأتها في جريدة سعودية ترجمت مقالين عنها من موسكو وآخر من تشيك. هل يمكن للإعلام أن يثير مثل هذه الإشكاليات الثقافية ويربي العالم من جديد على ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والخروج من علاقة السيد بالعبد إلى مفاهيم مثل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، أكيد ممكن لكن الحل دائماً رهين بالوقت الذي يمشي على قلب الإنسان المستعجل مثل مشي السلحفاة.