«نساء الزعتري»... لجوء أم استغلال الظروف؟!
كم هي المآخذ على مخيم الزعتري بالأردن، وأوضاع اللجوء غير الإنسانية فيه، وآخرها عن ممارسة نخاسة مبطنة على النساء السوريات، وذلك وفق المعلومات الواردة من المخيم التي تؤكد انتشار السماسرة من نساء ورجال، كأنهم جهات معتمدة رسمياً أو ممن يملكون رخصة بالترويج والممارسة لعدم اكتراثهم بأي عواقب قد تنجم عن أفعالهم بل يعتبرونها شرعية وإنسانية، لأنها تحصن النساء وتخفف الأعباء عن كاهل الأسر!وقد أسهبت صحيفة "واشنطن بوست" في شرح هذه الظاهرة من خلال مراسلتها تايلور لايك، التي استطاعت وضع النقاط على الحروف بهذه المسألة ونلخصها في الآتي: "تنقل عن مسؤولي الإغاثة أن اللاجئين يعبرون بملابسهم وصعب عليهم أن يرفضوا مبلغ خمسة آلاف دولار كمهر"، وتنقل عن زياد حمد عضو جمعية الكتاب والسنّة قوله "هذا ليس استغلالا بل كرما"، وتشير إلى أن الحملة تقودها مواقع إلكترونية وإعلانات مبوبة وشبكات ترويج تستهدف أثرياء من العرب من دول الخليج. وتؤكد أن أكثر السماسرة يدخلون باسم عمال إغاثة... وتورد بعض التصريحات لمسؤولي الأمم المتحدة بأن هذه الزيجات "تزيد عدد العرائس الأطفال وتنتهي بالتخلي عن الزوجة أو الإجبار على العمل بالدعارة"، ويقول أبوحمد أحد اللاجئين "إن أكثر القادمين يهدفون إلى المساعدة، لكن الواقع لتمضية الوقت الطيب"، أما دومينيك هايد ممثل اليونيسيف فيقول "إننا نشعر بالقلق من احتمالية بيع هؤلاء النساء وتعرضهن لأوضاع أسوأ بكثير".
طبعاً ما عرضته تايلور مهم وخطير وهو يطابق إلى حد كبير المعلومات الواردة من المخيم... وهو ما يزيد مأساتنا مأساة أخرى رغم أننا لا نُحرّم ما أحل الله ونرحب بأي جهد ومساعدة تخفف العبء عن كاهل شعبنا، لكن مع توافر ظروف موضوعية كريمة لهكذا ارتباط وأولها الاختيار الحرّ والسرب الآمن، وألا يكون عرفياً أو سفرياً وأن يتوافر له بعض الضمانات القانونية، وهذا بالطبع لن يتوافر، لأن الآتي من اللجوء والفاقد لكل مقومات الحياة لن يكون اختياره حراً ولا يملك الرفض، وطالب المتعة أيضاً لن يعطي أكثر مما يستحق، فهو أولاً وأخيراً زواج أقرب إلى المتعة، وربما بعيداً عن سمع وبصر الأهل والأقارب لقيمته المتدنية "حسب أعرافهم".وأعتقد جازماً أن من تسوِّل له نفسه باستغلال ظروف الناس ومصائبهم ليفرض شروطه ويشتري اللحوم الحية الغضة لإرضاء نزواته وتحت أي تسمية كانت، فهو بلاشك من أصول غير آدمية وغير أخلاقية، ولا يضير من قَبِل ووافق، وهم أقلية بالتأكيد، لأنه واقع تحت ضغط الحاجة وضنك العيش، وأن للنفس مقدرة وطاقة على التحمل. وفرة الإفتاء في النوائب لا حدود لها، فعادة تأتي لمعالجة الحال وإيجاد المخارج الشرعية له، والشعب السوري نال نصيباً وافراً من هذه الفتاوى وأكثرها بلاشك يصب في دعم ثورته وإغاثته، لكن البعض منها كان بحاجة إلى التروي والضبط الشرعي حتى لا يُساء الفهم والمقصد، فالزواج سكن نفسي ومودة ورحمة وشراكة متوازنة، وليس عطفاً ومنّة على الآخر، إذ سرعان ما يزول أثر العطف عند أول خلاف يدب بين الطرفين وتبقى المنّة وتذكير العروس بأصولها "الزعترية"... هذا إذا كان رسمياً، فكيف الحال إذا كان عرفياً؟!حرّم "الربا" لأنه يستغل حاجة الناس ويفرض شروطاً مجحفة بحق المدين، وزواج "اللجوء" هو أقرب إلى حكم "الربا"، لأنه يتشابه بنفس الظروف، حيث استغلال الحاجة والشروط المجحفة التي لا تليق بالمجتمع ولا بمكانة المرأة، وهو أقرب إلى التحريم منه إلى الشرعنة لانعدام شروطه الشرعية.المعارضة السورية وما أدراك ما المعارضة؛ فهي كأم العروس "فاضية ومشغولة" بل ولا نجد لها حراكاً فاعلاً إلا بالرسميات والمؤتمرات وزيارة الكفلاء، وأخص الخارجية منها، بل ورسم خطوط الطول والعرض على خارطة الثورة، وأيضاً تخطيط مستقبلها ولا تعنيها الصغائر بشيء، لذلك لن نلومهم على غيابهم التام عن مسرح اللجوء والنخاسة لضيق الوقت.لكننا نلوم الناشطات من غير أعضاء المجالس لتقاعسهن عن أداء مهامهن الثورية والإنسانية تجاه حرائرنا، وكم كنت أتمنى أن يكون تقرير تايلور مزيلاً باسم ناشطة سورية، لكن للأسف الـ"فيسبوك" وبقية المواقع تستهلك كل وقتهنّ!ثقتنا بأهلنا في "الزعتري" أبناء ثورة الحرية والكرامة أن يتصدوا للسماسرة ومحترفي النخاسة، وقد تحدثت تايلور في تقريرها عن تشكيل لجان رصد لهم ومحاربتهم بلا هوادة... فالثورة منصورة... والعودة قريبة إن شاء الله.