من بين المشكلات التي نعانيها عربياً أن الوسائل تصبح غايات، وربما استخدمت الوسيلة فقط للاستخدام حتى لو كانت غايتها الافتراضية متحققة. إذا أخذنا الديمقراطية على سبيل المثال فإنها وسيلة لتحقيق الاستقرار والتنمية والثراء الاجتماعي، بينما يتعامل معها على أنها غاية الغايات.

Ad

يتحمس بعض الناشطين في الخليج بالدعوة إلى الديمقراطية من دون أن يأخذ بالاعتبار الشروط الثقافية التي لابد أن تتوافر عليها، ومن جهةٍ أخرى من دون أن يدرك أن الغايات التي ستأتي بها الديمقراطية موجودة ومتحققة أساساً في الخليج. حين نأتي إلى التنمية ومستوياتها في العالم العربي سنجد أن الدول التي اتخذت التنمية مساراً مثل دول الخليج هي أغنى الدول وأكثرها استقراراً، على حين أن الدول الديمقراطية أو التي تزعم أنها كذلك هي أقل الدول نمواً وأكثرها تفككاً وتشوهاً.

متوسط دخل الفرد الخليجي سنوياً كالآتي: في قطر دخل الفرد 81963 دولاراً، وفي الإمارات 49995، أما في الكويت فهو 37451، وفي عمان21097، وفي البحرين 20332، وأما في السعودية فهو 16778، بينما دخل الفرد المصري مثلاً 2748 دولاراً. الدخل في الخليج حتى في أضعف حالاته أكثر من بقية مداخيل الأفراد في بقية الدول العربية. الديمقراطية لا تصنع الدخل وحدها، ولا تأتي بالتنمية من أطرافها، بل إن الدول الخليجية وصلت إلى التنمية من خلال أنظمة ذات طابع اجتماعي تعتمد على البيعة والمجالس المشرعة لمن يريد أن يشتكي أو يختصم أو يقترح. لم يمر على الخليج حاكم واحد طغى وسفك الدماء، بينما الدول العربية الأخرى عانت من طغاة جاؤوا بأصوات الشعب كما يقولون.

يلتقي الأصوليون مع الولايات المتحدة في نظرتها للمنطقة من ناحية الإصرار على الديمقراطية بوصفها الحل الاجتماعي والسياسي، لأن الأصولي يدرك أن مجيء الديمقراطية تعني وصوله هو إلى سدة الحكم. غير أن أميركا التي تقبلت النموذج الديمقراطي «الإسلاموي» لم تستوعب أن الأنظمة في الخليج هي أيضاً لها بصمتها الخاصة، ليست استبدادية لكنها ليست ديمقراطية، وإنما تنموية، والأخطاء موجودة، والفساد حاضر أيضاً، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتحول إلى ديمقراطية كرتونية أخرى وننهي ما كسبناه من استراتيجيات التنمية التي نرى نعمها ظاهرةً في دول الخليج مع التفاوت في مستويات التنمية والبناء.

المنطق الأصولي والذي يتبنى من رموز الإخوان المسلمين في الخليج وغيرها أن الدول الخليجية تفتقر إلى الحريات، وهم بطبيعة الحال يقصدون الحريات السياسية، لهذا فهم يطالبون بالنموذج الديمقراطي بدعمٍ أميركي، وكأن الحريات السياسية هي الغاية، بينما هي وسيلة لمحض النظام الديمقراطي بالنصح والمحاسبة من أجل واقعٍ أفضل ومن أجل تنمية أفضل، وحين تأتي التنمية من دون أن يكون هناك أحزاب أو تشكيل سياسي فما قيمة الديمقراطية إذاً؟!

يقول كارل غيرشمان: «الديمقراطية تعتبر نظاماً غير ملائم للدول خارج كتلة الدول الصناعية الغربية». الديمقراطية نتيجة من نتائج التحضر وليست سبباً، بمعنى أن الديمقراطية تنبت من أسفل ولا تنزل من أعلى، إنها مختلطة بوعي الناس، للديمقراطية تربتها ووقتها. دول خليجية أصبحت محل اهتمام أوروبي واستثمار غربي، بل وقبلة للسياحة والاستجمام.

الخلاصة أن الوسائل يجب أن لا نأخذها أخذ الغايات، التنمية أولى من الديمقراطية التي تأتي بالمعوّقين للتنمية والمدمّرين للحياة وقتلة المستقبل. الديمقراطية التي لا تأتي بالتنمية تفرخ الطغاة الذين عانى ويعاني منهم البشر حتى اللحظة، لا تأخذنا نشوة الأحداث الحالية والثورات عن ضرورة التنمية والاستقرار مع الإصلاح والنقد ومكافحة الفساد، لكن لنكن حذرين أكثر من ديمقراطية أصولية برعايةٍ أميركية كما هو الحال الذي نعيشه.