استقبلت صالات العرض المصرية فيلماً بعنوان «بنطلون جوليت» يمثل تجربة فنية مثيرة وجديدة، على صعيدي الطرح الفكري واللغة السينمائية.

Ad

يتناول الفيلم قضايا: الحرية، والقهر، والاختلاف في الرأي، وعدم قبول الآخر، وأيضاً مفهوم الرجولة الحقة في المجتمع الذكوري، بشكل مغاير عن المعتاد، فالبطل الشاب يرتبط بعلاقة حب وفتاة، لكنه يبدو مؤرقاً بالبنطال الضيق «الليغنز»، الذي ترتديه، ويرى فيه «تجاوزاً صارخاً» و{انحرافاً أخلاقياً» و{انقلاباً ضمنياً» على العادات والتقاليد. بينما ترى الفتاة أنها الحرية التي تمارسها كيفما ترى، ولا ينبغي لأحد أن ينازعها فيها أو ينزعها عنها، لأنها لم تُقدم على ارتكاب «فعل فاضح»، وتتمنى لو أن الحكم على المرء يتم من خلال جوهره وليس مخبره.

يعقد الشاب، البطل، أن اعتراضه على البنطال ليس من قبيل حب التملك أو السيطرة على فتاته ليشعر برجولته أو الاستجابة للمجتمع من حوله، وإنما هو تعبير عن الحب وتأكيد على أن الاتفاق على التفاصيل، التي تبدو صغيرة، يقود إلى تفاهمات أكبر وحب أكثر عمقاً وأطول عمراً، وهو التباين في وجهتي النظر، الذي عبرت عنه الأغنية الرئيسة «بنطلوني وأنا حرة فيه»، التي أكدت على أهمية الحرية، وجاءت أقرب إلى «المناظرة» بين الرأيين!

اللغة السينمائية التي تبناها فيلم «بنطلون جوليت» جاءت لتعكس أيضاً الروح الشبابية، حيث الجنون، والطموح، والتمرد على النمطية المعتادة، وتحطيم القواعد الجامدة. فالكاميرا تبدو متحررة حتى لو بدت الصورة صادمة أو غير تقليدية، والمونتاج بتناغم مع جنون الشكل والمضمون، ويبتكر إيقاعه الخاص، بينما تُذكرك «التترات»، التي اعتمدت على فن «التحريك» في أفلام الستينات. كذلك تم توظيف فن «الغرافيك» ببراعة وخفة ظل، حيث تحولت المؤثرات إلى «إفيهات كوميدية» (العين التي تفارق الوجه لتلاحق الفتاة الجميلة، والدخان الذي ينبعث من الرأس لفرط التفكير والبحث عن حل للأزمة، وصاحب الضمير الحي الذي يبدو ملاكاً بينما يبدو صاحب الضمير الميت كالشيطان).

تعامل أصحاب الفيلم مع «الخيال»، معتبرين أن ما يحدث على الشاشة مجرد «لعبة»، لذا لم يمانعوا في أن ينظر الممثلون إلى عدسة الكاميرا، ومداعبتها إذا لزم الأمر!

هكذا سارت تجربة «بنطلون جوليت» تأليف وإخراج وبطولة الوجه الشاب طارق الإبياري حفيد الكاتب الكبير أبو السعود الإبياري، ونجل المنتج المسرحي والكاتب يسري الإبياري، لكنها لم تستمر طويلاً على هذا النهج المتمرد، وتخلت في بعض المشاهد عن روح الجنون والطموح، واستسلمت للنمطية، كما في الترجمة الحرفية و{المدرسية» لكلمات أغنية «البوسطجية اشتكوا»، التي قدمها الفيلم بتوزيع جديد، وأداء بديع لنسمة محجوب نجمة «ستار أكاديمي»، وتقديم شخصيات تقليدية كرجل الأعمال الذي يتحرش بالفتيات مقابل الموافقة على رعاية حدث يُشاركن في تنظيمه!

أما الطامة الكبرى في فيلم «بنطلون جوليت» فتمثلت في الإجحاف الذي طال كوكبة الوجوه الشابة الجديدة: نهال لاشين، أحمد شكري، محمد عماد، عليا المكاوي، محمد أبو السعود، عمر المهندس وسامي سليم على يد المخرج طارق الإبياري، الذي تجاهل التنويه إلى أسمائهم في «الأفيش» ومواد الدعاية، على رغم اجتهادهم، وإن تواضع أداؤهم، إذ قرر لأسباب غامضة تأجيل التعريف بهم إلى لحظة نزول «تترات» النهاية، وهو أول من يُدرك أنها اللحظة التي يُغادر فيها الجمهور القاعة، وهو ما حدث بالضبط، وظل الشباب مجهولين بعد التجربة، في الوقت الذي احتكر فيه «طارق الإبياري» الفيلم، فانفرد ببؤرة المشهد في «الأفيش» كمؤلف ومخرج، مثلما كان يفعل يوسف شاهين، في تناقض صارخ مع رسالة الفيلم ومضمونه. فالفيلم الذي يدعو إلى الحرية وقبول الآخر ونبذ القهر المعنوي، ينقلب على نفسه ودعوته، ويترك للمخرج والمؤلف والبطل حرية الهيمنة وقهر الآخرين والسيطرة على العمل بأكمله، ومن ثم يترك انطباعاً لدى كل من يُشاهده بأن «بنطلون جوليت» ضاق على الجميع، واتسع لـ «طارق الإبياري» وحده... وأن دعوته إلى الحرية أفسدتها النرجسية!