سارعت إيران الى محاولة ترميم منظومتها السياسية والأمنية والعسكرية في لبنان وفلسطين بعد الضربة القاسية التي تلقتها نتيجة لتداعيات الحرب في غزة على دورها وحضورها في المنطقة.

Ad

وتدرج جهات دبلوماسية عربية فاعلة في بيروت زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الى لبنان، بعد ايام قليلة على الاتفاق الذي رعته مصر بمظلة عربية ودولية بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، في إطار المساعي الإيرانية الهادفة الى «طمأنة» حلفائها على الساحة اللبنانية وفي مقدمهم «حزب الله» وبعض المنظمات الفلسطينية التي شعرت باليتم نتيجة لتداعي نظام الرئيس بشار الأسد في سورية.

وتشير الجهات المذكورة إلى أن لاريجاني قام بزيارته المفاجئة والسريعة الى لبنان في إطار تحرك إيراني فرضته تطورات الأسبوعين الماضيين بما شهداه من تراجع للدور الإيراني في لبنان وفلسطين، بهدف «استنهاض» حلفاء طهران المتبقين في محاولة لمنع انعكاس «العزلة» الإيرانية عن تطورات المنطقة مزيدا من الانهيار في تركيبة «الأذرع» التنفيذية للسياسة الإيرانية.

وكان واضحا سعي لاريجاني الى محاولة «إحياء» صورة بلاده وتلميعها كرأس حربة في دعم المقاومة مع إسرائيل، والى محاولة استعادة شعار «المواجهة مع إسرائيل» الذي فقدته من خلال خروج حركة حماس من منظومتها والتحاقها بالمجموعة العربية، والى محاولة تأليب الرأي العام العربي على حكامه وأنظمته بحجة التلكؤ في مواجهة إسرائيل من خلال تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات:

1 - الدول التي التزمت سياسة الصمت على ما جرى في غزة من استهداف للفلسطينيين وقضيتهم.

2 - الدول التي لم تقدم سوى الدعم اللفظي.

3 - الدول التي لعبت دور الوسيط مع إسرائيل.

كما كان لافتا تبرير لاريجاني تراجع الدور الإيراني في الملف الفلسطيني في هذه المرحلة بأن بلاده «لا تسعى الى تفاهمات مع إسرائيل وبأن ليس لها دور في مثل هذه التفاهمات التي جربت سابقا»، مشددا على أن «دور إيران لا يكون من خلال رعاية التفاهمات مع إسرائيل بل من خلال استراتيجية دعم المقاومة» واصفا التفاهمات بأنها «تكتيكات».

وكانت واضحة محاولة لاريجاني ضخ شيء من المعنويات في صفوف حلفاء إيران على الساحة اللبنانية باعتباره أن «أميركا أصبحت ضعيفة وهناك ضمور لدورها».

وترى الجهات الدبلوماسية العربية الفاعلة في بيروت أن إيران التي خسرت الورقة الفلسطينية من خلال التحاق حماس بالمنظومة العربية تركز جهودها على تدعيم خط الدفاع الأخير عن سياستها في المنطقة المتمثل بحزب الله وحلفائه لاسيما في ظل التراجع المستمر لقدرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الإمساك بالوضع في بلاده. وتتوقع الجهات المذكورة في هذا الإطار أن تعتمد إيران سياسة الاحتواء على أمل أن تساهم سياسة كسب الوقت في إعادة تصحيح موازين القوى، خلافا للرأي القائل ان طهران سوف تعمد الى تفجير جديد على الساحة اللبنانية تؤكد من خلالها احتفاظها بقدراتها على التأثير في مسارات الوضع في الشرق الأوسط.

وتختم هذه الجهات بالتأكيد على استبعاد أي هروب الى الأمام يمكن أن تلجأ اليه إيران من خلال حزب الله لا على الجبهة مع إسرائيل، ولا على الجبهة اللبنانية الداخلية في المرحلة الحالية على الأقل في انتظار انقشاع غبار المعركة الأخيرة لأن طهران ليست في وارد مغامرة جديدة من شأنها في مرحلة «المد العربي» أن تفقدها خط الدفاع الأخير والورقة الأخيرة في الدول المحيطة بإسرائيل، وبالتالي أن تدفع بها الى الدخول في مرحلة جديدة من مراحل مفاوضاتها مع الغرب على قاعدة انحسار نفوذها الى حدودها الجغرافية الطبيعية.