نساء لا يعرفن الحب
هل أنت ممن يصعب عليهن الوقوع في الحب؟ هل لديك صديقة تعاني هذه المشكلة؟ هل الوضع النفسي العاطفي للمرأة التي يصعب عليها الوقوع في الحب أمر طبيعي؟ هل سبب هذه الحالة تجارب سيئة أو مخيبة للآمال عاشتها المرأة المعنية؟ أم هي نتيجة قلة ثقة في الجنس البشري عموماً؟ أم أننا أمام مشكلة تتعلق بعدم القدرة على التخلي عن السيطرة الكاملة على الأمور الحياتية كافة؟ لم يصعب الارتباط العاطفي على هذا النوع من النساء؟ فلنبدأ قبل البحث في أسباب هذه الظاهرة بالاتفاق على تحديد لتعبير «الوقوع في الحب».
حين تقول المرأة إنها غير قادرة على الوقوع في الحب، فهي تتحدث عادة عن مشاعر عنيفة نسبيًا، كالشعور بالحب من أول نظرة، أو عيش تجربة يطغى عليها الشغف وتترافق مع دقات قلب سريعة... وليس عن علاقة حب هادئة مع رجل ما.الوقوع في الحب بالنسبة إلى هذا النوع من النساء هو أن تكون المرأة في حالة من الاضطراب الدائم والتفكير بالحبيب، ما يملأ قلبها بالسعادة ويجعلها تشعر بلذة الحياة وجمالها. يعود مفهوم «كل شيء أو لا شيء» أو مفهوم الحب الشغوف إلى الصور التي يفرضها علينا المجتمع عبر الأفلام والكتب، أو حتى تعليقات «الصديقات» اللواتي يحاولن أن يثبتن لنا أن حياتهن العاطفية «رائعة جدًا». لكن للحب أشكال متعددة. لا تعيش النساء كافة هذا النوع من المشاعر القوية، وقد يتغير مفهوم الحب لدى المرأة بمرور الزمن، فلا تعود قادرة على عيش حالة الشغف.قد نشعر بالقلق لعدم وقوعنا في الحب «كالأخريات» حين نكون في الثامنة عشرة، لكن هذا لا يعني أن علينا اللجوء إلى التحليل النفسي لحل المشكلة! الإجابة التي تعطيها النساء في ما خص عدم وقوعهن في الحب هو أنهن لم يلتقين بالشخص «المناسب». هذا تفسير مبسط بعض الشيء، لأنه غالبًا ما تعيش تلك النساء علاقة ناجحة وطويلة مع شريكهن على رغم عدم وجود مشاعر حب ملتهبة بين الطرفين.لكن هذا لا يمنع أن يشعر بعضهن بالأسى لعدم عيشهن المشاعر الملتهبة التي يتحدث عنها الكتاب والشعراء، والتي يقرأن عنها في الروايات العاطفية.حلم الحب الجارفنتمنى جميعنا أن نعيش حبًا استثنائيًا، فقد تمت برمجتنا لنكون كذلك، ولنصدق أنه أمر ممكن الحدوث. تقرأ نساء كثيرات الروايات العاطفية بانتظام، ويستمتعن بمشاهدة الأفلام الرومنطيقية الكوميدية والاستماع إلى الأغنيات العاطفية. يضاف إلى ذلك أسطورة أمير الأحلام التي تسمع عنها الفتيات منذ الصغر، والتي تجعل حلم الالتقاء بنصفنا الآخر المقدر لنا يلاحقنا لسنوات طويلة. وهم الحب المطلق حاضر بقوة، حتى وإن تبين أن هذا النوع من العلاقات قد يكون مدمرًا أحياناً. يعيش بعض النساء علاقات حب مجنونة تفتقر إلى الوعي والنضج، إلا أن معظم النساء لا يخضن تجارب مماثلة، وهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا. ثمة أسباب كثيرة لعدم وقوع المرأة في الحب «الشغوف»، ولا تتعلق هذه الأسباب بطبيعة الأشخاص الذين التقت بهم في حياتها العاطفية.تقبل فقدان السيطرةيصعب على الشخصيات المسيطرة تقبل فكرة التخلي عن السيطرة الكاملة لشخص آخر، إلا في حالات قليلة واستثنائية جدًا. الانجراف في الحب والشغف بالنسبة إلى هذا النوع من النساء هو أيضًا فقدان للسيطرة على الاحداث وعلى الذات.تعيش المرأة المسيطرة فقدان السيطرة على الذات بشكل سيئ للغاية، خصوصًا أنها تطمح دائمًا بألا يؤخذ عليها أي مأخذ، وبأن ينظر إليها على أنها قوية ومثالية. ترغب هذه المرأة في أن تكون لها اليد العليا في حياتها، وفي ألا يكون لأي شخص تأثير قوي عليها. تخاف أن يؤدي استسلامها لمشاعرها إلى تعريضها لخطر التعرض للألم، خصوصًا أن الفشل في العلاقة هو احتمال قائم دومًا. ثمة أمثلة عدة حول نساء عشن حبًا جارفًا انتهى نهاية مأساوية.لحسن الحظ، ليست حالات الانجراف الكامل التي تنتهي بشكل مأساوي كثيرة، لكنها موجودة. قد يؤدي الانجراف الكامل في العلاقة العاطفية إلى وقوع جرائم شغف وإلى فقدان تام للسيطرة على الذات أحياناً، أو قد يؤدي إلى تدمير الذات وتدمير المعايير المنطقية كافة التي ينبغي أن تحكم العلاقة. على المرأة أن تدرك أن بين الرغبة في الحفاظ على السيطرة الكاملة مهما كان الثمن والاستسلام الكامل لإرادة رجل أنواعاً كثيرة من علاقات الحب التي تتفاوت فيها درجات الشغف وقوة المشاعر. لا يعني الوقوع في الحب بالضرورة فقدانًا كاملاً للسيطرة على الذات، فالوعي ضروري جدًا لإنجاح العلاقات العاطفية.خوف من الهجرقد يكون السبب في عدم قدرة بعض النساء على الوقوع في الحب أنهن تعرضن في الماضي القريب أو البعيد (خلال طفولتهن) إلى الهجر. نتحدث هنا عن أنواع مختلفة من الهجران: الهجر من الوالدين أو من أحد الوالدين، أو الوفاة المبكر لأحد الوالدين، أو وفاة خطيب، أو انفصال مفاجئ وصعب.تترك هذه الأحداث الصعبة أثرًا كبيرًا عند هذا النوع من النساء، ما يفقدهن القدرة على التفكير بالحب بحرية وانفتاح كما في السابق. تبقى جراحهن مفتوحة، ويبرز الألم على نحو غير متوقع ما إن يقترب منهن شخص ما أكثر من اللازم. قد يحدث أحيانًا ألا تكتفي المرأة بعدم السماح لنفسها بالانجراف في علاقة حب، لكن أن تقفل الباب تمامًا على أي فرصة ببدء أي علاقة. قد يعود سبب بقاء بعض النساء وحيدات إلى عيشهن تجربة هجران شكلت صدمة نفسية حقيقية لهن، ما جعلهن غير راغبات في عيش هذه التجربة مجددًا مهما كان الثمن، حتى وإن أدى ذلك إلى بقائهن وحيدات.قد يحدث أيضًا أن تستسلم المرأة المسيطرة التي تحدثنا عنها سابقًا لجنون الحب، فإن انتهى الأمر بشكل سيئ، ترك الانفصال أثرًا لا يمحى في نفسها، واقترن ألم الانفصال بشعور بالخزي والعار لعدم تمكنها من الالتزام بمبادئها وانجرافها بالشغف والحب. تشعر المرأة المسيطرة في هذه الحالة بالندم وتعاهد نفسها بعدم الوقوع في «الخطأ» نفسه مجددًا.جرح نرجسي كان نرجس أو نركساس، ابن كيبيسيوس إله النهر والحورية ليربيوى في الميثولوجيا الإغريقية، مشهورًا بجماله. اقترب من بحيرة كي يشرب فأعجبه انعكاسه في المياه ووقع في حب نفسه وجماله، ولم يستطع مفارقة انعكاسه حتى مات. حين يهجرنا الحبيب بشكل غير متوقع، يُصاب نرجس الصغير أو الكبير الذي يسكن فينا بجرح مؤلم. ثمة نساء لا يتقبلن أن هجرانهن احتمال قائم، لذا يسبب لهن الهجران صدمة قوية.من الطبيعي أن نشعر «بانزعاج كبير» في حال تم هجرنا، لكن الشعور بالخزي ليس منطقيًا. يجب ألا نسمح لنرجسيتنا أن تسيطر علينا وأن تدفعنا إلى اتخاذ مواقف سلبية وغير مفيدة...جراح مخفيةتقوم «المحترقات بنار الحب» بردود فعل وقائية، فيحرصن على عدم الوقوع مجددًا فريسة الشغف عبر بناء أسوار دفاعية مخفية حولهن. كما في الحروب النظامية، تنظر تلك النساء إلى محاولات التقرب منهن من خلف هذه الأسوار المخفية. هذا ما يفسر خلو تجارب الحب كافة التي يعشنها تاليًا من الشغف، حتى ولو تطورت هذه العلاقات بشكل أكثر من مرضٍ.يؤدي اتخاذ تلك النساء لهذا الموقف الدفاعي إلى تبلور تصرفات تختلف باختلاف طباع المرأة المعنية. يتصرف معظم تلك النساء ببرودة حيال الرجال الذين يحاولون التقرب منهن تاليًا، وقد يقرر بعضهن عدم الدخول في أي علاقة في المستقبل، وقد يركز البعض الآخر على نواحي أخرى في حياتهن كالأولاد والعمل.ما العمل؟من الطبيعي أن يأتي وقت تصبح فيه استعادة التوازن أمرًا ضروريًا لمنع تفاقم الأمور والحيلولة دون تحول المرأة المعنية إلى إنسانة ساخطة وعدائية وتعيسة. يحتاج الأمر غالباً إلى تدخل خارجي يساعد المرأة في رؤية الأمور على حقيقتها. قد يكون هذا التدخل الخارجي عبارة عن نقاش عميق مع شخص تحترمه، كما قد يكون سلسلة أحداث تافهة تؤدي إلى تغيير نظرتها إلى الأمور.تسبب السيطرة الدائمة على الذات ضررًا كبيرًا على المدى الطويل، لأنها تمنع تطور الشخصية. الخطر الأكبر هو أن يدفع الألم المرأة إلى اتخاذ قرار متسرع بعدم خوض أي تجربة حب جديدة، وإلى تجنب التفكير في ما حدث خوفًا من استعادة الذكريات الأليمة. يساعد فهم المرأة لحقيقة ما حدث وتبيان أسباب دخولها في تجربة حب مجنونة وأسباب فشل هذه التجربة على إمساكها مجددًا بزمام الأمور وعلى تخطيها المشكلة.فإذا تعذر على المرأة تقييم التجربة بنفسها، وجب عليها الاستعانة باختصاصي كي تتمكن من استعادة قدرتها على عيش حياة طبيعية على المستوى العلائقي. يؤدي فهم حقيقة ما حدث إلى استخلاص العبر والتقدم على المستوى الشخصي، ما يزيد من فرص نجاح أي علاقة عاطفية مستقبلية. كذلك يسمح هذا الفهم بتقبل حقيقة أنه لا يمكن السيطرة على الأمور كافة حين يتعلق الأمر بالمشاعر، إذ دائمًا ما تنطوي الحياة المشتركة على شيء من المخاطرة!أحبي نفسككي تزيدي من فرص نجاح علاقاتك العاطفية المستقبلية، عليك أن تتعلمي أن تحبي نفسك أولاً. يكون الانفصال أحيانًا مفاجئًا أو عنيفًا، وقد يتخلله توجيه سيل من التوبيخات الجارحة. تؤدي الصدمة الناتجة من الانفصال والكلام الجارح الذي يترافق معه إلى جعل المرأة تعيد النظر في نظرتها إلى ذاتها. من الشائع أن تشعر المرأة بالغباء والخجل وبأنها لا تستحق أن تكون محبوبة. السبب في ذلك هو أن شعورها بالثقة في النفس غالبًا ما يكون مستمدًا من نظرة شريكها إليها. فإذا لم يكن قد تسنى لها بناء ثقتها في نفسها سابقًا بمعزل عن الشريك، يؤدي الانفصال العنيف إلى هدمها بشكل تام. على المرأة أن تدرك أن الحصول على الحب يتطلب أن تحب نفسها أولاً، وأن الثقة في النفس تنبع من داخل الإنسان لا من نظرة الآخرين إليه.«عدم القدرة على الوقوع في الحب» هو شعور أو رأي شخصي أكثر منه حقيقة واقعة. الحقيقة هي أننا لا نقع في الحب بحسب الطلب. يؤدي القدر دورًا في الجمع بين الأشخاص وجعلهم يقعون في حب بعضهم البعض، وليس لأحد أي سلطان على ذلك. فلنتعلم إذًا كيف نستقبل اللحظة الحاضرة ونعيشها كما هي. ربما نتمكن حينئذٍ من الوقوع في الحب للمرة الأولى... ولا ننسى أن الحب ليس فحسب ذلك الشعور الذي يجمع بين الرجل والمرأة، بل هو حب الحياة عموماً.رأي خبيرلا وجود للحب من طرف واحديقول أحد أطباء الجهاز العصبي: «لن أخوض في تفسير الحب من النظرة الأولى، لكن يمكنني أن أعطيه التحديد التالي: هو حدث عاطفي انتقالي يستتبع اعترافًا متبادلاً من الطرفين المعنيين. من الناحية البيولوجية البحتة، يطلق الجسم في تلك اللحظة بعض الهورمونات، خصوصاً هورمون الدوبامين. لكن لا يمكن أن نقع في الحب وحدنا. من الضروري أن يكون الشعور متبادلاً. فالإنسان، هذا الكائن الاستثنائي والفريد بتركيبته الجسدية والجينية، يحتاج إلى نظرة الآخر ليشعر بأنه موجود حقًا».