«هب ريح الصبا» من أفضل عطاءاته في الغزل (2-2)

Ad

اتجه الشاعر منصور الخرقاوي إلى الفن من خلال مرافقته للفرق الشعبية وفرقة علي بن سيف في القبلة، وأتقن أنغام السامري وأوزانه... ثم رافق مجموعة من الشعراء الشعبيين، وأثرى الحركة الفنية بأغنيات أصيلة وأصدر ديوانين شعريين.

تتسم أشعار منصور الخرقاوي بسلاسة اللفظ وبروح غنائية، من منا لم يغنِّ مع الخرقاوي «حمام ياللي على روس المباني»، «هب ريح الصبا والطير غنى»، «جودي لا تهجريني»، التي غناها بتألّق الفنان القدير غريد الشاطئ...

كذلك غنى له مطربون كثر من بينهم: صالح الحريبي الذي غنى قصيدة «هب الهوى»، كتبها الشاعر منصور الخرقاوي (1967) ولحنها الفنان القدير يوسف المهنا، فكانت من أنجح أغنيات الحريبي، وسبب شهرته وانتشاره وبقيت تذاع في الإذاعة والتلفزيون فترة طويلة، ولا تزال هذه الأغنية تذاع بين حين وآخر، خصوصاً في البرامج التي تهتم بالتراث... يقول في مطلعها:

هب الهوى وناداني

أسمع حلو الألحاني

ما أحلى نشيد السامر

ترنع بها الطيراني

اللي سر الخاطر

غنى بقول الشاعر

الفنان الشعبي ابراهيم حسن الذي لحن قصيدة «لوعة العاشق» للشاعر منصور الخرقاوي وغناها (1971) وهي من الفن السامري، يقول في مطلعها:

ابتسـم وادموع عيني بانهمار

منشغل فكري مع الماضي البعيد

أنا عاشق سارح ويا الخيال

بيـن خلاني ولكني وحيد

مع الصولة

يعد الملحن والمطرب ابراهيم الصولة من أكثر الفنانين تعاوناً مع الشاعر الشعبي الكبير منصور الخرقاوي، ومن أعمالهما أغنية «يا فريد»، سجلها العام 1981، يقول مطلعها:

يا فريد البهى والزين

يا حياتي ومضنوني

ليش يا كاحل العينين

نمت وتسهر عيوني

في عام 1986 سجل الملحن ابراهيم الصولة بصوته ثلاث أغنيات عاطفية من تأليف الشاعر منصور الخرقاوي هي: «يا الله يا رواف»، «ولعوني بالهوى»، «يا غزالاً في القوامي» يقول في مطلعها:

يا غزالاً في القوافي

فاق دل ودلال

في عيون ساحرات

في بهاء وكمال

مثل غصن يتثنى

في نعيم وظلال

وسعود الراشد

علاقة منصور الخرقاوي بالفنان القدير سعود الراشد عائلية وفنية واقتناع متبادل بقدرات كل منهما بالآخر... فكانت ثمرتها أغنيات منها: «هب ريح الصبا، أمس الضحى، ما لعيني، البارحة يوم، نحمد الله، يالله يا ربنا، ما لعيني كلما القمرى سجع» من الصوت اليماني (الحميني)، وهي من أغاني الوجد، ويقول في مطلعها:

ما ليعني كل ما القمر سجع

في سخاء تذرف الدمع السخين

وفؤادي للهواجس متسـع

والهموم المقبلات المدبرين

ياليالي حبها بقلبي طبع

كحروف في سجل خالدين

في مجال الأغنية الوطنية لحن له سعود الراشد قصائد عبر فيها عن روحه الحماسية والوطنية الوثابة والجهاد من أجل الوطن... ومن هذه الأغاني: «دارنا يا كريم، شرفت عيدنا، يوم السرور».

«هب ريح الصبا والطير غنى» إحدى أبرز القصائد، التي كتبها منصور الخرقاوي (1962) فأبدع فيها كلمة ووزناً ومعنى وصورة شعرية، وضمنها «آهاته» بصدق متناه، وصاغها لحناً باقتدار الملحن القدير سعود الراشد، رائد تلحين الأغنية الكويتية المطورة، فظهرت كفن من فنون الصوت، وتميزت برقي في إيقاعاتها وفي إدخال آلات موسيقية حديثة عليها، وحققت توازناً بين الجمل الموسيقية الجديدة بآلاتها الحديثة المتطورة وبين إيقاع الصوت القديم.

«هب ريح الصبا» تعد قمة عطاءات منصور الخرقاوي في شعر الغزل والتشبيه، فيها إحساس عميق بالضياع والانتظار وتنبض بصدق المعاناة وصور رائعة عبر ألفاظ موحية بالمعنى.

يقول الخرقاوي في مطلع قصيدته «هب ريح الصبا»، التي غناها الفنان سعود الراشد في الإذاعة الكويتية (1967)، وقدمها في الحفلات العامة التي شارك فيها، وتعد من أبرز الأغاني التي كانت وراء شهرته وانتشاره:

هب ريح الصبا والطير غنى

ذكر القلب أيام قديمة

يا خليل على خله تجنى

المولع ترى عينه رحيمة

أحد أهم عناصر نجاح هذه الأغنية أن هذا الصوت جمع بين جودة الكلمة للشاعر منصور الخرقاوي وجمال اللحن والغناء للمبدع والمطور الأول للأغاني والأصوات الكويتية الفنان الراحل سعود الراشد. سجل هذا الصوت في أوائل الستينيات مرتين: الأولى مع فرقة موسيقية كاملة في لبنان، والثانية على العود والكمان والمرواس في الكويت.

أما آخر قصيدة لحنها الفنان القدير سعود الراشد وغناها قبل وفاته (1988) لمنصور الخرقاوي فكانت صوتا بعنوان «حدثيني» (1985). أنشد الخرقاوي هذه الأبيات واصفاً كيف يحاول المحبّ نسيان حبه على مرّ الأيام، لكن طيف الحبيب يعود ليملك عليه حسنه، إذ كان توأم حياته الأولى وزهوه... يقول في مطلعها:

حدثيني يا نسيمات الجنوب

خبريني ما جرى للغائبين

كلما قلنا عـن الذكرى نتوب

زارنا طيف الأحبة الأولين

العودة لكتابة الأغنية العاطفية

في سبتمبر 1989 عاد منصور الخرقاوي إلى كتابة الأشعار الغنائية الرقيقة بعد غياب طويل، فأجازت له لجنة النصوص في الإذاعة الكويتية أغنيتين من تلحين الفنان أحمد عبد الكريم وغنائه، سجلهما في استديو الموسيقى في الإذاعة: الأولى بعنوان «سلمولي»، ويقول مطلعها:

سلمولي على اللي صابني في غرامـه

لو يغـض النظر عني حبيبي يراني

اللي سرقني بنظرة فزت أنا في سلامه

كن لي اللي غرق والله ربي حياني

يتمشى على دربي سواك الحمامة

لو برده ما يطاوع لساني

الثانية بعنوان «تباشرت»، ويقول مطلعها:

تباشرت في شوفتي حبيبي

سلامات هالغيابه الطويلة

بعيد وهو عندي قريبي

يجي بالفكر وأنا أجي له

ثمة أغانٍ عاطفية ووطنية لحنها الفنان أحمد عبد الكريم من كلمات منصور الخرقاوي وغناها، من بينها «يا حبيب»، يقول في مطلعها:

يا حبيب يحبه خاطري من زمان

اسعد الله صباحه وأسعد الله مساه

دواوين شعرية

عام 1980 صدر للشاعر منصور الخرقاوي ديوان شعر حمل اسمه يقع في 140 صفحة من القطع المتوسط... يدل على ما يحمله الخرقاوي من وفاء وشيمة، فقد أهداه إلى من كان لها الفضل في دفعه إلى إظهار هذا الديوان وهي زوجته: «كنت أتمنى لو كانت على قيد الحياة لتقرأ مجموعة أشعاري، لكن إرادة الله عز وجل كانت أقوى منا حينما اختارها إلى جواره وهي في ريعان شبابها».

عام 1984 صدر الجزء الثاني من ديوان منصور الخرقاوي، وقد طبع في مطابع وزارة الإعلام ( يقع في 280 صفحة من القطع المتوسط)، كتب له المقدمة عبدالله ناصر الصانع.

من أقواله

• النقد لا بد من أن يكون مبسطاً على مستوى الناس الذين نخاطبهم.

• الفنان الأصيل يتعب ويبحث عن الكلام الأصيل.

• التطوير يحتاج إلى مزيد من الشباب المثقف الواعي لقيمة وخطورة الكلمة وتأثيرها في مستوى الحركة الغنائية في البلد.

• من دون الموهبة لا يمكن لأي إنسان أن يصبح شاعراً مهما قرأ واطلع على الثقافات الأخرى.

• الموهبة نعمة من الله سبحانه، لذلك لا يمكن أن نسأل أي شاعر عن السبب الذي جعله شاعراً دون غيره.

• الموهبة وحدها لا تكفي الشاعر، ولا تمكنه من تحسين شعره، بحيث يصبح بمستوى المرحلة التي يعيشها، بخاصة أننا اليوم نعيش زمناً يتطور في لحظة، ولا يمكن أن يظل الناجح ناجحاً إلا إذا استمر في قراءته وثقافته واطلاعه على الجديد من أجل ألا يتخلف عن المسيرة.

• الشاعر المتمكن يستطيع أن يكتب في كل الألوان.

• الشاعر عندما يكون حزيناً ينزف الشعر الحقيقي، الذي يمثل به ذاته من دون أن يحسب حساب الآخرين ومشاعرهم.

• السامري لون شعري جميل، وهو يخرج من عمق الشاعر حين يكون منعزلاً عن الآخرين.

• أتمنى ألا تسرق الحضارة ثقافتنا، التي رضعناها من الأولين، ويجب أن نتمسك بتراثنا من أجل أن تبقى أصولنا ويبقى تمسكنا بعروبتنا وتراثنا.

• الشعر الشعبي يتكلم بلسان حال الأمة ويتجاوب مع الناس العاديين في أحاسيسهم، في أفراحهم وأحزانهم، كلامه بسيط ويتقيد بأوزان خاصة.

• أغاني سعود الراشد خير ممثل للأغنية وأصالتها، وسر نجاح هذا الفنان أنه منغمس بالبيئة ويعرف ما يستحق التلحين والغناء.

• الأغنية الكويتية الأصيلة مدينة لجهود الشاعر والأديب أحمد العدواني لأنه أعطى المستمع العربي والأجنبي فكرة عن اللحن الكويتي.

• شعراء أيام زمان كانوا يقولون الشعر عن حب وإحساس فني رفيع وشفافية ومقدرة، وتجرد من الأنانية بعيدين كل البعد عن روح الإقليمية.

قصائد مبكرة

للشاعر منصور الخرقاوي تجربة رائعة تمثلت في تلك النصوص التي كتبها في فترة الصبا، ولنتأمل كلمات هذه القصيدة التي كتبها، ولم يتجاوز عمره 14 عاماً، جاءت بعنوان «العز لله» وكتبها في عام 1939، يقول فيها:

صمدت والجرح الخفي أشقاني

أشره على شعبي الذي بكاني

كل تحداني بليا داعي

لو أعرف السبه قطعت لساني

كفرت زلات الردى والطيب

عذري الشرعي أضن كتماني

ومن قصائده الأولى في فترة الشباب «عفا الله يا غزال الريم» قالها في عام 1953، في مطلعها:

هوينا في هواكم وبتلينا

عسى الله يغفر ذنوب علينا

ويختتم الشاعر الخرقاوي قصيدته بهذه الأبيات:

أقول سهيل يروجه ولكن

ملكني بالتواضع والسكينة.

وقد غنت له في بداياته الفنية أصوات غنائية متميزة أبرزها صالح الحريبي وغريد الشاطئ الذي غنى له أشهر أعماله «جودي» والمطرب عبدالله حميد، وغنى له المطرب الملحن الراحل سعود الراشد مجموعة كبيرة من الأغاني الجميلة من بينها: «هب ريح الصبا، أمس الضحى، البارحة يوم، مالي عين كل ما القمر سجع»، وهي آخر أغنية كتبها الخرقاوي للمطرب سعود الراشد. كذلك لحن له الفنان القدير غنام الديكان أغنية بعنوان «مفتون قلبي في هوى الغزلان» قدمتها فرقة التلفزيون للفنون الشعبية.

خصائص فنية

قدم الشاعر والباحث الكويتي إبراهيم الخالدي أبحاثاً ودراسات عدة في القصيدة الشعبية، وأوزانها الشعرية، قارنا ذلك بخائص كل شاعر ومفرداته المميزة، ويقول في هذا السياق عن الشاعر الخرقاوي: «تميز منصور الخرقاوي في لغته بخصوصية اللهجة العامية الكويتية، حيث نجد المفردات الكويتية الأصيلة حاضرة في شعره، والطريقة المحلية في نطق بعض الحروف، وقلبها في النطق، وخصوصيتها من حيث التشديد والتسهيل تسيطر على معظم أشعاره، وهناك كثير من أبياته، إن لم تقرأ باللهجة العامية الكويتية، لا يستقيم وزنها أو قافيتها.

وعلى صعيد القالب الفني، التزم الخرقاوي بأوزان الشعر النبطي المطابقة لأوزان الخليل، وله ولع ببعض البحور الشعرية، خصوصاً بحر الصخري (المسمى النبطي للبحر الوافر)، وهو بحر غنائي حزين، ومن يقلب أشعاره منصور الخروقاوي يجد أنه كتب على معظم أوزان الشعر، من رمل ومتقارب ومتدارك وطويل وبسيط. والألحان النبطية المعروفة، كالمسحوب والسامري والفن والهلالي والمروبع وغيرها. وإضافة إلى القالب النمطي لشعر النبط، طرق الخرقاوي فن الموال الزهيري، ومن ذلك قوله:

يا باهي الخد.. وصلك صوبنا عوده

لا تعذب الروح.. ارحم من ذوى عوده

يا منية القلب عندي صدتك عوده

هجرت أنا الزاد من فرقات يا خلي».

وعن تجربته في المشاركة بالأغنية الكويتية يقول الخالدي: «لعل الجانب الأبرز في تجربة منصور الخرقاوي الشعرية هو أثره في مسيرة الأغنية الكويتية طوال نصف قرن من الزمان، وقد مثل خلاله الصوت الكويتي الأصيل الذي يعبر عن اللهجة المحلية بخصوصيتها المميزة».

يقول عنه الأديب خالد سالم: «منصور الخرقاوي شاعر شعبي مخضرم، وأحد كبار شعراء العامية المتميزين في الكويت، ومن أوائل الشعراء الذين كتبوا الأغنية الكويتية الحديثة، له كثير من الأغاني والسامريات والفنون الجميلة منها: جودي لا تهجريني- حمام شاقني فنه- هب الهوى وناداني- حنين الموج يشجيني- هب ريح الصبا والطير غنى- الحلو سباني- أمس الضحى والبارحة واليوم- حمام ياللي على رووس المباني».

وقد تغنى بأشعار الخرقاوي كثير من المطربين، منذ أيام عبداللطيف الكويتي، الذي غنى إحدى قصائد الخرقاوي عبر أثير إذاعة لندن في عام 1945حتى الزمن الحالي، حيث بقي الخرقاوي يتعاون مع الجيل الحالي من المطربين.

ولعل أشهر الأغاني التي كتبها الخرقاوي هي قصيدة «حمام ياللي على روس المباني»، التي غناها أكثر من فنان، أولهم الفنان الكويتي عبدالله بن حميد، الذي توفي في منتصف الخمسينيات، وقد سجلها على أسطوانة، كذلك غناها الفنان محمود الكويتي والفنان العراقي حضيري أبوعزيز، بعد أن قام بتغيير بعض كلماتها، وفيها يقول الخرقاوي:

حمام يا اللي على رووس المباني

ذكرت لك مغرم روحه شجية

ذكرتني جادل حبه سباني

مدعوج الأعيان مردوع الشفية

ولهذه القصيدة مناسبة ذكرها الخرقاوي في لقاء تلفزيوني، وهو أنه كان يجلس في دكان الأقمشة الخاص بصديقه عبدالله المنصور في قيصرية المعجل، فمرت فتاة جميلة أمامه، ورأت نظراته لها، فأرخت البوشية وبان جمال رقبتها وجمالها، فقال هذه القصيدة.

وكذلك من أغانيه البارزة أغنية «حمام شاقني فنه»، التي تعد من أشهر أغاني المطرب محمد المسباح، ويقول في أولها:

حمام شاقني فنه

وأنا أطرب كل ما غنى

يناغي ظل بستانه

يداعب ريش جنحانه

ومن أغانية الجميلة أغنية «حنين الموج» للمطرب غريد الشاطئ، وفيها يصف حالة أهل الغوص وما يتعرضون له من أخطار، فيقول:

حنين الموج يشجيني

وضوح البدر يغريني

شراع الفلك يحديها

تبارك جل مجريها

أسرة شاعرة

الخرقاوي من أسرة شاعرة ومحصوله ومحفوظه من الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي كثير. ولعل ذلك ما صقل شعره ولونه بأخيلة جميلة وصوره عن حياته على اختلاف ظروفها، وفيه نغمة حزينة تعكس رقة أحساس هذا الشاعر.

وكان والده شاعراً مشهوراً في عزف الربابة، وكانت لخاله اهتمامات في الشعر العربي وكان الشاعر منصور يتلقى التشجيع منه.