بطالة بلا أمل

نشر في 03-08-2012
آخر تحديث 03-08-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت أياً كان تصورك لمدى السوء الذي بلغه الاقتصاد العالمي اليوم من حيث دورة الأعمال، فإن هذا ليس أكثر من عدسة واحدة ننظر من خلالها إلى العالم، فمن حيث متوسط العمر المتوقع العالمي، ومجموع ثروات العالم، والمستوى الإجمالي للتكنولوجيا، وتوقعات النمو في الاقتصادات الناشئة، وتوزيع الدخل العالمي، فإن الأمور تبدو طيبة، ولو أنها تبدو سيئة على أبعاد أخرى، ولنقل الانحباس الحراري العالمي أو التفاوت في الدخول على المستوى المحلي وتأثير ذلك التفاوت على التضامن الاجتماعي للبلدان.

وحتى على بُعد الدورة التجارية، كانت الظروف أسوأ كثيراً في الماضي مقارنة بما هي عليه اليوم، ولنتأمل هنا أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين وعجز اقتصادات السوق آنذاك عن تحقيق التعافي من تلقاء نفسها، نظراً للعبء المتمثل بالبطالة الطويلة الأجل.

ولكن رغم أننا لم نصل إلى تلك النقطة اليوم، فإن الكساد الأعظم ليس أقل صلة بحالنا اليوم، وذلك لأنه بات من المرجح على نحو متزايد أن تتحول البطالة الطويلة الأجل إلى عائق مماثل للتعافي في غضون العامين المقبلين.

فعند أدنى نقطة في فصل الشتاء من عام 1933، كان الكساد الأعظم بمنزلة شكل من أشكال الجنون الجماعي، فكان العاملون عاطلين عن العمل لأن الشركات توقفت عن توظيفهم؛ وكانت الشركات متوقفة عن تعيين العاملين لأنها لم تر سوقاً لمنتجاتها؛ ولم تكن هناك سوق للناتج لأن العاملين لم يكن لديهم دخول ينفقونها.

وعند تلك النقطة، تحول قسم كبير من البطالة إلى بطالة طويلة الأجل، وهو الأمر الذي أسفر عن اثنتين من العواقب. الأولى أن تحمل عبء الانحدار الاقتصادي لم يكن بالتساوي، فلأن أسعار المستهلك هبطت بسرعة أكبر من هبوط الأجور، فإن هؤلاء الذين ظلوا في وظائفهم ازدادوا رفاهة أثناء أزمة الكساد الأعظم. وكانت الأغلبية العظمى من المعاناة من نصيب هؤلاء الذين أصبحوا عاطلين عن العمل وظلوا كذلك.

والثانية أن إعادة إدماج العاطلين عن العمل حتى في اقتصاد السوق العامل بسلاسة مهمة بالغة الصعوبة، فكم عدد أصحاب العمل الذين لا يفضلون قادماً جديداً على قوة العمل مقارنة بشخص ظل بلا عمل لسنوات؟ وبفعل حقيقة بسيطة مفادها أن الاقتصاد خضع أخيراً لفترة من البطالة الجماعية فقد بات من الصعب للغاية العودة إلى مستويات النمو وتشغيل العمالة التي يمكن الوصول إليها عادة كأمر شبه مؤكد.

والواقع أن أسعار الصرف المخفضة، والعجز المعتدل في الموازنات الحكومية، ومرور الوقت، كل هذه العلاجات بدت غير فعّالة بنفس القدر، فكان أداء أسواق العمل العالية المركزية والمتقوقعة، مثل سوق العمل في أستراليا، على نفس القدر من السوء كأسواق العمل غير المركزية التي تسمح بقدر كبير من الحرية، مثل تلك في الولايات المتحدة، فيما يتصل بالتعامل مع البطالة الطويلة الأجل. وكانت الحلول الفاشية غير ناجحة أيضا، كما كانت الحال في إيطاليا، ما لم تكن مصحوبة بعملية إعادة تسليح سريعة، كما كانت الحال في ألمانيا.

وفي الولايات المتحدة في نهاية المطاف، كان اقتراب الحرب العالمية الثانية وما ارتبط بذلك من طلب على السلع العسكرية هو الذي دفع أصحاب العمل في القطاع الخاص إلى تعيين العمال الذين ظلوا عاطلين عن العمل لفترات طويلة وبأجور مقبولة. ولكن حتى اليوم، لا يستطيع خبراء الاقتصاد أن يقدموا تفسيراً واضحاً للسبب الذي جعل القطاع الخاص عاجزاً عن إيجاد السبل لتعيين العاطلين عن العمل لفترات طويلة على مدى العقد الذي بدأ بشتاء 1933 وانتهى إلى التعبئة الكاملة للحرب. ويشير المدى الذي بلغته البطالة المستمرة، على الرغم من اختلاف هياكل أسواق العمل والمؤسسات الوطنية، إلى أن النظريات التي تحدد سببا رئيساً للإخفاق لا ينبغي لنا أن نتعامل معها بجدية.

ففي مستهل الأمر، بحث العاطلون عن العمل لفترات طويلة أثناء أزمة الكساد الأعظم بكل جد وبصبر نافد عن مصادر بديلة للعمل. ولكن ستة أشهر أو ما إلى ذلك مرت من دون النجاح في العودة إلى تشغيل العمالة، مال العاطلون عن العمل إلى الإحباط والذهول. وبعد سنة كاملة من البطالة المستمرة ظل العامل المتوسط العاطل عن العمل يبحث عن وظيفة، ولكن بأسلوب متقطع، ومن دون كثير من الأمل. وبعد عامين من البطالة، فقد العامل الذي توقع أن يكون في نهاية أي طابور توظيف أي الأمل، وأسباب عملية ترك سوق العمل.

كان هذا نمط العاطلين عن العمل لفترات طويلة في أزمة الكساد الأعظم، وكان أيضاً نمط العاطلين عن العمل لفترات طويلة في غرب أوروبا عند نهاية ثمانينيات القرن العشرين. وفي غضون عام أو عامين سوف نشهد نفس النمط مرة أخرى للعاطلين عن العمل لفترات طويلة في منطقة شمال الأطلسي.

لقد ظللت أزعم لأربعة أعوام أن المشاكل المرتبطة بدورات العمل لدينا تدعو إلى المزيد من السياسات النقدية والمالية الأكثر توسعا، وأن أكبر مشاكلنا قد تتلاشى بسرعة إذا تبنينا مثل هذه السياسات. ولا يزال هذا صحيحا، ولكن على مدى العامين المقبلين، لو لم يحدث انقطاع مفاجئ وغير متوقع للاتجاهات الحالية، فسوف يصبح هذا الرأي أقل صحة.

إن الرصيد الحالي من الاحتمالات هو أن إخفاقات سوق العمل الرئيسة في منطقة شمال الأطلسي لن تكون بعد عامين من الآن إخفاقات سوق مرتبطة بجانب الطلب ويمكن علاجها بسهولة من خلال الاستعانة بالمزيد من السياسات القوية لتعزيز الناشط الاقتصادي وتشغيل العمالة. بل إنها سوف تتحول إلى إخفاقات بنيوية للسوق ترتبط بالمشاركة والتي لا يمكن تطويعها لأي علاج بسيط وسهل التنفيذ.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top